[ ص: 218 ] تفسير سورة الزخرف وهي مكية . 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( حم   ( 1 ) والكتاب المبين   ( 2 ) إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون   ( 3 ) وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم   ( 4 ) أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين   ( 5 ) وكم أرسلنا من نبي في الأولين   ( 6 ) وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون   ( 7 ) فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين   ( 8 ) ) 
يقول تعالى : ( حم . والكتاب المبين    ) أي : البين الواضح الجلي المعاني والألفاظ ; لأنه نزل بلغة العرب التي هي أفصح اللغات للتخاطب بين الناس ; ولهذا قال : ( إنا جعلناه   ) أي : أنزلناه ( قرآنا عربيا   ) أي : بلغة العرب فصيحا واضحا ، ( لعلكم تعقلون   ) أي : تفهمونه وتتدبرونه ، كما قال : ( بلسان عربي مبين   ) [ الشعراء : 195 ] . 
وقوله تعالى : ( وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم   ) بين شرفه في الملأ الأعلى ، ليشرفه ويعظمه ويطيعه أهل الأرض ، فقال تعالى : ( وإنه ) أي القرآن ( في أم الكتاب   ) أي اللوح المحفوظ ، قاله ابن عباس  ، ومجاهد  ، ( لدينا ) أي : عندنا ، قاله قتادة  وغيره ، ( لعلي ) أي : ذو مكانة عظيمة وشرف وفضل ، قاله قتادة   ) حكيم ) أي : محكم بريء من اللبس والزيغ . 
وهذا كله تنبيه على شرفه وفضله ، كما قال : ( إنه لقرآن كريم . في كتاب مكنون . لا يمسه إلا المطهرون . تنزيل من رب العالمين   ) [ الواقعة : 77 - 80 ] وقال : ( كلا إنها تذكرة . فمن شاء ذكره . في صحف مكرمة . مرفوعة مطهرة . بأيدي سفرة . كرام بررة   ) [ عبس : 11 - 16 ] ; ولهذا استنبط العلماء ، رحمهم الله ، من هاتين الآيتين : أن المحدث لا يمس المصحف  ، كما ورد به الحديث إن صح ; لأن الملائكة يعظمون المصاحف المشتملة على القرآن في الملأ الأعلى ، فأهل الأرض بذلك أولى وأحرى ، لأنه نزل عليهم ، وخطابه متوجه إليهم ، فهم أحق أن يقابلوه بالإكرام والتعظيم ، والانقياد له بالقبول والتسليم ، لقوله : ( وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم   ) 
وقوله : ( أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين   ) اختلف المفسرون في معناها ، فقيل : معناها : أتحسبون أن نصفح عنكم فلا نعذبكم ولم تفعلوا ما أمرتم به ؟ قاله ابن عباس  ، ومجاهد   وأبو صالح  ،  والسدي  ، واختاره ابن جرير   . 
وقال قتادة  في قوله : : ( أفنضرب عنكم الذكر صفحا   ) : والله لو أن هذا القرآن رفع حين ردته  [ ص: 219 ] أوائل هذه الأمة لهلكوا ، ولكن الله عاد بعائدته ورحمته ، وكرره عليهم ودعاهم إليه عشرين سنة ، أو ما شاء الله من ذلك . 
وقول قتادة  لطيف المعنى جدا ، وحاصله أنه يقول في معناه : إنه تعالى من لطفه ورحمته بخلقه لا يترك دعاءهم إلى الخير والذكر الحكيم - وهو القرآن - وإن كانوا مسرفين معرضين عنه ، بل أمر به ليهتدي من قدر هدايته ، وتقوم الحجة على من كتب شقاوته . 
ثم قال تعالى - مسليا لنبيه في تكذيب من كذبه من قومه ، وآمرا له بالصبر عليهم - : ( وكم أرسلنا من نبي في الأولين   ) أي : في شيع الأولين ، ( وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون   ) أي : يكذبونه ويسخرون به . 
وقوله : ( فأهلكنا أشد منهم بطشا   ) أي : فأهلكنا المكذبين بالرسل ، وقد كانوا أشد بطشا من هؤلاء المكذبين لك يا محمد . كقوله : ( أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة   ) [ غافر : 82 ] والآيات في ذلك كثيرة . 
وقوله : ( ومضى مثل الأولين   ) قال مجاهد   : سنتهم . وقال قتادة   : عقوبتهم . وقال غيرهما : عبرتهم ، أي : جعلناهم عبرة لمن بعدهم من المكذبين أن يصيبهم ما أصابهم ، كقوله في آخر هذه السورة : ( فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين   ) [ الزخرف : 56 ] . وكقوله : ( سنت الله التي قد خلت في عباده   ) [ غافر : 85 ] وقال : ( ولن تجد لسنة الله تبديلا   ) [ الأحزاب : 62 ] . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					