( أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون   ( 67 ) ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين   ( 68 ) والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين   ( 69 ) ) 
يقول تعالى ممتنا على قريش  فيما أحلهم من حرمه ، الذي جعله للناس سواء العاكف فيه والبادي ، ومن دخله كان آمنا  ، فهم في أمن عظيم ، والأعراب حوله ينهب بعضهم بعضا ويقتل بعضهم بعضا ، كما قال تعالى : ( لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف   ) [ قريش : 1 - 4 ] . 
وقوله : ( أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون   ) أي : أفكان شكرهم على هذه النعمة العظيمة أن أشركوا به ، وعبدوا معه [ غيره من ] الأصنام والأنداد ، و ( بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار   ) [ إبراهيم : 28 ] ، وكفروا بنبي الله وعبده ورسوله ، فكان اللائق بهم إخلاص العبادة لله ، وألا يشركوا به ، وتصديق الرسول وتعظيمه وتوقيره ، فكذبوه وقاتلوه وأخرجوه من بين ظهرهم ; ولهذا سلبهم الله ما كان أنعم به عليهم ، وقتل من قتل منهم ببدر ، وصارت الدولة لله ولرسوله وللمؤمنين ، ففتح الله على رسوله مكة ،  وأرغم آنافهم وأذل رقابهم . 
ثم قال تعالى : ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه   ) أي : لا أحد أشد  [ ص: 296 ] عقوبة ممن كذب على الله فقال : إن الله أوحى إليه شيء ، ولم يوح إليه شيء ، ومن قال : سأنزل مثل ما أنزل الله . وهكذا لا أحد أشد عقوبة ممن كذب بالحق لما جاءه  ، فالأول مفتر ، والثاني مكذب ; ولهذا قال : ( أليس في جهنم مثوى للكافرين   ) . 
ثم قال ( والذين جاهدوا فينا   ) يعني : الرسول ، صلوات الله وسلامه عليه ، وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين ( لنهدينهم سبلنا   ) ، أي : لنبصرنهم سبلنا ، أي : طرقنا في الدنيا والآخرة . 
قال ابن أبي حاتم   : حدثنا أبي  ، حدثنا أحمد بن أبي الحواري  ، حدثنا عباس الهمداني أبو أحمد   - من أهل عكا   - في قول الله : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين   ) قال : الذين يعملون بما يعلمون ، يهديهم لما لا يعلمون   . قال أحمد بن أبي الحواري   : فحدثت به أبا سليمان الداراني  فأعجبه ، وقال : ليس ينبغي لمن ألهم شيئا من الخير أن يعمل به حتى يسمعه في الأثر ، فإذا سمعه في الأثر عمل به ، وحمد الله حين وافق ما في نفسه . 
وقوله : ( وإن الله لمع المحسنين    ) ، قال ابن أبي حاتم   : 
حدثنا أبي ، حدثنا عيسى بن جعفر   - قاضي الري   - حدثنا أبو جعفر الرازي  ، عن المغيرة  ، عن الشعبي  قال : قال عيسى ابن مريم  ، عليه السلام : إنما الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك ، ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك  . [ وفي حديث جبريل  لما سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الإحسان قال : " أخبرني عن الإحسان " . قال : " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك  " . 
[ انتهى تفسير سورة العنكبوت ، ولله الحمد والمنة ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					