( ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا    ( 25 ) الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا   ( 26 ) ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا   ( 27 ) يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا   ( 28 ) لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا   ( 29 ) ) . 
يخبر تعالى عن هول يوم القيامة ، وما يكون فيه من الأمور العظيمة ، فمنها انشقاق السماء وتفطرها وانفراجها بالغمام  ، وهو ظلل النور العظيم الذي يبهر الأبصار ، ونزول ملائكة السماوات يومئذ ، فيحيطون بالخلائق في مقام المحشر . ثم يجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء . 
قال مجاهد   : وهذا كما قال تعالى : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور   ) [ البقرة : 210 ] . 
 [ ص: 106 ] 
قال ابن أبي حاتم   : حدثنا محمد بن الحارث ،  حدثنا مؤمل  ، حدثنا حماد بن سلمة ،  عن علي بن زيد ،  عن يوسف بن مهران ،  عن ابن عباس ،  أنه قرأ هذه الآية : ( ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا   ) قال ابن عباس   : يجمع الله الخلق يوم القيامة في صعيد واحد  ، الجن والإنس والبهائم والسباع والطير وجميع الخلق ، فتنشق السماء الدنيا ، فينزل أهلها - وهم أكثر من الجن والإنس ومن جميع الخلائق - فيحيطون بالجن والإنس وبجميع الخلق . ثم تنشق السماء الثانية فينزل أهلها ، وهم أكثر من أهل السماء الدنيا ومن الجن والإنس ومن جميع الخلق [ فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم والجن والإنس وجميع الخلق ] ثم تنشق السماء الثالثة ، فينزل أهلها ، وهم أكثر من أهل السماء الثانية والسماء الدنيا ومن جميع الخلق ، فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم ، وبالجن والإنس وبجميع الخلق . ثم كذلك كل سماء ، حتى تنشق السماء السابعة ، فينزل أهلها وهم أكثر ممن نزل قبلهم من أهل السماوات ومن الجن والإنس ، ومن جميع الخلق ، فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم من أهل السماوات ، وبالجن والإنس وجميع الخلق ، وينزل ربنا عز وجل في ظلل من الغمام ، وحوله الكروبيون ، وهم أكثر من أهل السماوات السبع ومن الإنس والجن وجميع الخلق ، لهم قرون كأكعب القنا ، وهم تحت العرش ، لهم زجل بالتسبيح والتهليل والتقديس لله عز وجل ، ما بين أخمص قدم أحدهم إلى كعبه مسيرة خمسمائة عام ، وما بين كعبه إلى ركبته مسيرة خمسمائة عام ، وما بين ركبته إلى حجزته مسيرة خمسمائة عام ، وما بين حجزته إلى ترقوته مسيرة خمسمائة عام ، وما بين ترقوته إلى موضع القرط مسيرة خمسمائة عام . وما فوق ذلك مسيرة خمسمائة عام ، وجهنم مجنبته هكذا رواه ابن أبي حاتم  بهذا السياق . 
وقال ابن جرير   : حدثنا القاسم  ، حدثنا الحسين  ، حدثني الحجاج ،  عن  مبارك بن فضالة ،  عن  علي بن زيد بن جدعان  ، عن يوسف بن مهران ،  أنه سمع ابن عباس  يقول : إن هذه السماء إذا انشقت نزل منها من الملائكة أكثر من الجن والإنس ، وهو يوم التلاق ، يوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض ، فيقول أهل الأرض : جاء ربنا؟ فيقولون : لم يجئ ، وهو آت . ثم تنشق السماء الثانية ، ثم سماء سماء على قدر ذلك من التضعيف إلى السماء السابعة . فينزل منها من الملائكة أكثر من [ جميع من ] نزل من السماوات ومن الجن والإنس . قال : فتنزل الملائكة الكروبيون ، ثم يأتي ربنا في حملة العرش الثمانية ، بين كعب كل ملك وركبته مسيرة سبعين سنة ، وبين فخذه ومنكبه مسيرة سبعين سنة . قال : وكل ملك منهم لم يتأمل وجه صاحبه ، وكل ملك منهم واضع رأسه بين ثدييه يقول : سبحان الملك القدوس . وعلى رءوسهم شيء مبسوط كأنه القباء والعرش فوق ذلك  . 
 [ ص: 107 ] 
ثم وقف ، فمداره على  علي بن زيد بن جدعان  ، وفيه ضعف ، وفي سياقاته غالبا نكارة شديدة . وقد ورد في حديث الصور المشهور قريب من هذا ، والله أعلم . 
وقد قال [ الله ] تعالى : ( فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية   ) [ الحاقة : 15 - 17 ] قال  شهر بن حوشب   : حملة العرش ثمانية  ، أربعة منهم يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك ، لك الحمد على حلمك بعد علمك . وأربعة يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك ، لك الحمد على عفوك بعد قدرتك ، رواه ابن جرير  عنه . 
وقال أبو بكر بن عبد الله   : إذا نظر أهل الأرض إلى العرش يهبط عليهم من فوقهم ، شخصت إليه أبصارهم ، ورجفت كلاهم في أجوافهم ، وطارت قلوبهم من مقرها من صدورهم إلى حناجرهم  . 
وقال ابن جرير   : حدثنا القاسم  ، حدثنا الحسين ،  حدثنا معتمر بن سليمان ،  عن عبد الجليل ،  عن أبي حازم ،  عن عبد الله بن عمرو  قال : يهبط الله حين يهبط وبينه وبين خلقه سبعون ألف حجاب ، منها النور والظلمة ، فيصوت الماء في تلك الظلمة صوتا تنخلع منه القلوب  . 
وهذا موقوف على عبد الله بن عمرو  من كلامه ، ولعله من الزاملتين ، والله أعلم . 
وقوله تعالى : ( الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا   ) ، كما قال تعالى : ( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار   ) [ غافر : 16 ] وفي الصحيح :  " إن الله يطوي السماوات بيمينه ، ويأخذ الأرضين بيده الأخرى ، ثم يقول : أنا الملك ، أنا الديان ، أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون " ؟ 
وقوله : ( وكان يوما على الكافرين عسيرا   ) أي : شديدا صعبا; لأنه يوم عدل وقضاء فصل ، كما قال تعالى : ( [ فإذا نقر في الناقور   ] ) " ، ( فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير   ) [ المدثر : 8 - 10 ] ، فهذا حال الكافرين في هذا اليوم   . وأما المؤمنون فكما قال تعالى : ( لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون   ) [ الأنبياء : 103 ] . 
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا حسن بن موسى ،  حدثنا ابن لهيعة ،  حدثنا دراج ،  عن أبي الهيثم ،  عن  أبي سعيد الخدري  قال : قيل : يا رسول الله : ( يوم كان مقداره خمسين ألف سنة   ) ما أطول هذا اليوم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون  [ ص: 108 ] أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا  " . 
وقوله : ( ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا   ) : يخبر تعالى عن ندم الظالم الذي فارق طريق الرسول وما جاء به من عند الله من الحق المبين ، الذي لا مرية فيه ، وسلك طريقا أخرى غير سبيل الرسول ، فإذا كان يوم القيامة ندم حيث لا ينفعه الندم ، وعض على يديه حسرة وأسفا . 
وسواء كان سبب نزولها في عقبة بن أبي معيط  أو غيره من الأشقياء ، فإنها عامة في كل ظالم ، كما قال تعالى : ( يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا   ) [ الأحزاب : 66 - 68 ] فكل ظالم يندم يوم القيامة غاية الندم  ، ويعض على يديه قائلا ( يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا   ) يعني : من صرفه عن الهدى ، وعدل به إلى طريق الضلالة [ من دعاة الضلالة ] ، وسواء في ذلك أمية بن خلف ،  أو أخوه أبي بن خلف ،  أو غيرهما . 
( لقد أضلني عن الذكر   ) [ وهو القرآن ] ( بعد إذ جاءني   ) أي : بعد بلوغه إلي ، قال الله تعالى : ( وكان الشيطان للإنسان خذولا   ) أي : يخذله عن الحق ، ويصرفه عنه ، ويستعمله في الباطل ، ويدعوه إليه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					