( وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين    ( 57 ) ) 
( فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون   ( 58 ) قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين   ( 59 ) قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم   ( 60 ) قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون   ( 61 ) قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم   ( 62 ) قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون   ( 63 ) ) . 
ثم أقسم الخليل قسما أسمعه بعض قومه ليكيدن أصنامهم ، أي : ليحرصن على أذاهم وتكسيرهم بعد أن يولوا مدبرين أي : إلى عيدهم . وكان لهم عيد يخرجون إليه .  [ ص: 349 ] 
قال  السدي   : لما اقترب وقت ذلك العيد قال أبوه : يا بني ، لو خرجت معنا إلى عيدنا لأعجبك ديننا! فخرج معهم ، فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه إلى الأرض . وقال : إني سقيم ، فجعلوا يمرون عليه وهو صريع ، فيقولون : مه! فيقول : إني سقيم ، فلما جاز عامتهم وبقي ضعفاؤهم قال : ( تالله لأكيدن أصنامكم   ) فسمعه أولئك . 
وقال أبو إسحاق ،  عن أبي الأحوص ،  عن عبد الله  قال : لما خرج قوم إبراهيم ، إلى عيدهم مروا عليه فقالوا : يا إبراهيم  ألا تخرج معنا؟ قال : إني سقيم . وقد كان بالأمس قال : ( تالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين   ) فسمعه ناس منهم . 
وقوله : ( فجعلهم جذاذا   ) أي : حطاما كسرها كلها ( إلا كبيرا لهم   ) يعني : إلا الصنم الكبير عندهم كما قال : ( فراغ عليهم ضربا باليمين   ) [ الصافات : 93 ] . 
وقوله : ( لعلهم إليه يرجعون   ) ذكروا أنه وضع القدوم في يد كبيرهم ، لعلهم يعتقدون أنه هو الذي غار لنفسه ، وأنف أن تعبد معه هذه الأصنام الصغار ، فكسرها . 
( قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين   ) أي : حين رجعوا وشاهدوا ما فعله الخليل بأصنامهم من الإهانة والإذلال الدال على عدم إلهيتها ، وعلى سخافة عقول عابديها ( قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين   ) أي : في صنيعه هذا . 
( قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم   ) أي : قال من سمعه يحلف أنه ليكيدنهم : ( سمعنا فتى   ) أي : شابا ( يذكرهم يقال له إبراهيم   ) 
قال ابن أبي حاتم   : حدثنا محمد بن عوف  ، حدثنا  سعيد بن منصور ،  حدثنا جرير بن عبد الحميد ،  عن قابوس   [ عن أبيه ] ، عن ابن عباس  قال : ما بعث الله نبيا إلا شابا ، ولا أوتي العلم عالم إلا وهو شاب ، وتلا هذه الآية : ( قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم   ) . 
وقوله : ( قالوا فأتوا به على أعين الناس   ) أي : على رءوس الأشهاد في الملإ الأكبر بحضرة الناس كلهم ، وكان هذا هو المقصود الأكبر لإبراهيم  أن يتبين في هذا المحفل العظيم كثرة جهلهم وقلة عقلهم في عبادة هذه الأصنام التي لا تدفع عن نفسها ضرا ، ولا تملك لها نصرا ، فكيف يطلب منها شيء من ذلك؟ . 
( قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا   ) يعني : الذي تركه لم يكسره ( فاسألوهم إن كانوا ينطقون   ) وإنما أراد بهذا أن يبادروا من تلقاء أنفسهم ، فيعترفوا أنهم لا ينطقون ، فإن هذا لا يصدر عن هذا الصنم ، لأنه جماد . 
وفي الصحيحين من حديث  هشام بن حسان  عن  محمد بن سيرين  ، عن  أبي هريرة;  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  " إن إبراهيم ،  عليه السلام ، لم يكذب غير ثلاث : ثنتين في ذات الله ، قوله : ( بل فعله كبيرهم هذا   ) وقوله ( إني سقيم   ) قال : " وبينا هو يسير في أرض جبار من الجبابرة ومعه  [ ص: 350 ] سارة ، إذ نزل منزلا فأتى الجبار رجل ، فقال : إنه قد نزل بأرضك رجل معه امرأة أحسن الناس ، فأرسل إليه فجاء ، فقال : ما هذه المرأة منك؟ قال : هي أختي . قال : فاذهب فأرسل بها إلي ، فانطلق إلى سارة فقال : إن هذا الجبار سألني عنك فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني عنده ، فإنك أختي في كتاب الله ، وأنه ليس في الأرض مسلم غيري وغيرك ، فانطلق بها إبراهيم  ثم قام يصلي . فلما أن دخلت عليه فرآها أهوى إليها ، فتناولها ، فأخذ أخذا شديدا ، فقال : ادعي الله لي ولا أضرك ، فدعت له فأرسل ، فأهوى إليها ، فتناولها فأخذ بمثلها أو أشد . ففعل ذلك الثالثة فأخذ ، [ فذكر ] مثل المرتين الأوليين فقال ادعي الله فلا أضرك . فدعت ، له فأرسل ، ثم دعا أدنى حجابه ، فقال : إنك لم تأتني بإنسان ، وإنما أتيتني بشيطان ، أخرجها وأعطها هاجر ،  فأخرجت وأعطيت هاجر ،  فأقبلت ، فلما أحس إبراهيم  بمجيئها انفتل من صلاته ، قال : مهيم؟ قالت : كفى الله كيد الكافر الفاجر ، وأخدمني هاجر   " قال  محمد بن سيرين  وكان :  أبو هريرة  إذا حدث بهذا الحديث قال : فتلك أمكم يا بني ماء السماء 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					