( ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين    ( 51 ) إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون   ( 52 ) قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين   ( 53 ) قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين   ( 54 ) قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين   ( 55 ) قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين   ( 56 ) ) . 
يخبر تعالى عن خليله إبراهيم ،  عليه السلام ، أنه آتاه رشده من قبل ، أي : من صغره ألهمه الحق والحجة على قومه ، كما قال تعالى : ( وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه   ) [ الأنعام : 83 ] ، وما يذكر من الأخبار عنه في إدخال أبيه له في السرب ، وهو رضيع ، وأنه خرج به بعد أيام ، فنظر إلى الكوكب والمخلوقات ، فتبصر فيها وما قصه كثير من المفسرين وغيرهم - فعامتها أحاديث بني إسرائيل ، فما وافق منها الحق مما بأيدينا عن المعصوم قبلناه لموافقته الصحيح ، وما خالف شيئا من ذلك رددناه ، وما ليس فيه موافقة ولا مخالفة لا نصدقه ولا نكذبه ، بل نجعله وقفا ، وما كان من هذا الضرب منها فقد ترخص كثير من السلف في روايتها ، وكثير من ذلك ما لا فائدة فيه ، ولا حاصل له  [ ص: 348 ] مما ينتفع به في الدين . ولو كانت فيه فائدة تعود على المكلفين في دينهم لبينته هذه الشريعة الكاملة الشاملة . والذي نسلكه في هذا التفسير الإعراض عن كثير من الأحاديث الإسرائيلية ، لما فيها من تضييع الزمان ، ولما اشتمل عليه كثير منها من الكذب المروج عليهم ، فإنهم لا تفرقة عندهم بين صحيحها وسقيمها كما حرره الأئمة الحفاظ المتقنون من هذه الأمة . 
والمقصود هاهنا : أن الله تعالى أخبر أنه قد آتى إبراهيم  رشده ، من قبل ، أي : من قبل ذلك ، وقوله : ( وكنا به عالمين   ) أي : وكان أهلا لذلك . 
ثم قال : ( إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون   ) هذا هو الرشد الذي أوتيه من صغره ، الإنكار على قومه في عبادة الأصنام من دون الله ، عز وجل ، فقال : ( ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون   ) أي : معتكفون على عبادتها . 
قال ابن أبي حاتم   : حدثنا الحسن بن محمد الصباح ،  حدثنا أبو معاوية الضرير ،  حدثنا سعد بن طريف ،  عن الأصبغ بن نباتة ،  قال : مر علي ،  على قوم يلعبون بالشطرنج ، فقال : ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ لأن يمس أحدكم جمرا حتى يطفأ خير له من أن يمسها . 
( قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين   ) : لم يكن لهم حجة سوى صنيع آبائهم الضلال; ولهذا قال : ( لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين   ) أي : الكلام مع آبائكم الذين احتججتم بصنيعهم كالكلام معكم ، فأنتم وهم في ضلال على غير الطريق المستقيم . 
فلما سفه أحلامهم ، وضلل آباءهم ، واحتقر آلهتهم ( قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين   ) يقولون : هذا الكلام الصادر عنك تقوله لاعبا أو محقا فيه؟ فإنا لم نسمع به قبلك . 
( قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن   ) أي : ربكم الذي لا إله غيره ، هو الذي خلق السماوات [ والأرض ] وما حوت من المخلوقات الذي ابتدأ خلقهن ، وهو الخالق لجميع الأشياء ( وأنا على ذلكم من الشاهدين   ) أي : وأنا أشهد أنه لا إله غيره ، ولا رب سواه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					