[ ص: 345 ]  ( بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون    ( 44 ) ) . 
( قل إنما أنذركم بالوحي ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون   ( 45 ) ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين   ( 46 ) ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين   ( 47 ) ) . 
يقول تعالى مخبرا عن المشركين : إنما غرهم وحملهم على ما هم فيه من الضلال ، أنهم متعوا في الحياة الدنيا ، ونعموا وطال عليهم العمر فيما هم فيه ، فاعتقدوا أنهم على شيء . 
ثم قال واعظا لهم : ( أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها   ) اختلف المفسرون في معناه ، وقد أسلفناه في سورة " الرعد " ، وأحسن ما فسر بقوله تعالى : ( ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون   ) [ الأحقاف : 27 ] . 
وقال  الحسن البصري   : يعني بذلك ظهور الإسلام على الكفر . 
والمعنى : أفلا يعتبرون بنصر الله لأوليائه على أعدائه ، وإهلاكه الأمم المكذبة والقرى الظالمة ، وإنجائه لعباده المؤمنين; ولهذا قال : ( أفهم الغالبون   ) يعني : بل هم المغلوبون الأسفلون الأخسرون الأرذلون . 
وقوله : ( قل إنما أنذركم بالوحي   ) أي : إنما أنا مبلغ عن الله ما أنذركم به من العذاب والنكال ، ليس ذلك إلا عما أوحاه الله إلي ، ولكن لا يجدي هذا عمن أعمى الله بصيرته ، وختم على سمعه وقلبه; ولهذا قال : ( ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون   ) . 
وقوله : ( ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين   ) أي : ولئن مس هؤلاء المكذبين أدنى شيء من عذاب الله ، ليعترفن بذنوبهم ، وأنهم كانوا ظالمين أنفسهم في الدنيا . 
وقوله : ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا   ) أي : ونضع الموازين العدل ليوم القيامة . الأكثر على أنه إنما هو ميزان واحد ، وإنما جمع باعتبار تعدد الأعمال الموزونة فيه . 
وقوله : ( فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين   ) كما قال تعالى : ( ولا يظلم ربك أحدا   ) [ الكهف : 49 ] ، وقال : ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما   ) [ النساء : 40 ] ، وقال لقمان : ( يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير   ) [ لقمان : 16 ] . 
وفي الصحيحين عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم :  " كلمتان خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان ، حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم " . 
وقال الإمام أحمد   : حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ،  حدثنا ابن المبارك ،  عن  ليث بن سعد ،  حدثني عامر بن يحيى ،  عن أبي عبد الرحمن الحبلي ،  قال : سمعت  عبد الله بن عمرو بن العاص  يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " إن الله عز وجل يستخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة ، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا ، كل سجل مد البصر ، ثم يقول أتنكر من هذا شيئا؟  [ ص: 346 ] أظلمتك كتبتي الحافظون؟ قال : لا يا رب ، قال : أفلك عذر ، أو حسنة؟ " قال : فيبهت الرجل فيقول : لا يا رب . فيقول : بلى ، إن لك عندنا حسنة واحدة ، لا ظلم اليوم عليك . فيخرج له بطاقة فيها : " أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله " فيقول : أحضروه ، فيقول : يا رب ، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول : إنك لا تظلم ، قال : " فتوضع السجلات في كفة [ والبطاقة في كفة ] " ، قال : " فطاشت السجلات وثقلت البطاقة " قال : " ولا يثقل شيء بسم الله الرحمن الرحيم " . 
ورواه الترمذي   وابن ماجه  ، من حديث الليث بن سعد  ، به ، وقال الترمذي   : حسن غريب . 
وقال الإمام أحمد   : حدثنا قتيبة ،  حدثنا ابن لهيعة  ، عن عمرو بن يحيى  ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي  ، عن  عبد الله بن عمرو بن العاص  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " توضع الموازين يوم القيامة ، فيؤتى بالرجل ، فيوضع في كفة ، فيوضع ما أحصي عليه ، فتمايل به الميزان " قال : " فيبعث به إلى النار " قال : فإذا أدبر به إذا صائح من عند الرحمن عز وجل يقول : [ لا تعجلوا ] ، فإنه قد بقي له ، فيؤتى ببطاقة فيها " لا إله إلا الله " فتوضع مع الرجل في كفة حتى يميل به الميزان " . 
وقال الإمام أحمد  أيضا : حدثنا أبو نوح قراد  أنبأنا  ليث بن سعد  ، عن مالك بن أنس ،  عن الزهري ،  عن عروة ،  عن عائشة;  أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جلس بين يديه ، فقال : يا رسول الله ، إن لي مملوكين ، يكذبونني ، ويخونونني ، ويعصونني ، وأضربهم وأشتمهم ، فكيف أنا منهم؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم ، إن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم ، كان فضلا لك [ عليهم ] وإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم ، كان كفافا لا لك ولا عليك ، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم ، اقتص لهم منك الفضل الذي يبقى قبلك " . فجعل الرجل يبكي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويهتف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما له أما يقرأ كتاب الله؟ : ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين   ) فقال الرجل : يا رسول الله ، ما أجد شيئا خيرا من فراق هؤلاء - يعني عبيده - إني أشهدك أنهم أحرار كلهم  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					