فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : ( باللغو ) اللغو : مصدر لغا يلغو ويلغى ، ولغي يلغى لغا إذا أتى بما لا يحتاج إليه في الكلام ، أو بما لا خير فيه ، أو بما يلغي إثمه ، وفي الحديث : إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة أنصت فقد لغوت . ولغة أبي هريرة " فقد لغيت " وقال الشاعر :
ورب أسراب حجيج كظم عن اللغا ورفث التكلم
وقال آخر :ولست بمأخوذ بلغو تقوله إذا لم تعمد عاقدات العزائم
قلت : ويمين المكره بمثابتها . وسيأتي حكم من حلف مكرها في " النحل " إن شاء الله تعالى . قال ابن العربي : وأما من قال إنه يمين المعصية فباطل ؛ لأن الحالف على ترك المعصية تنعقد يمينه عبادة ، والحالف على فعل المعصية تنعقد يمينه معصية ، ويقال له : لا تفعل وكفر ، فإن أقدم على الفعل أثم في إقدامه وبر في قسمه . وأما من قال : إنه دعاء الإنسان على نفسه إن لم يكن كذا فينزل به كذا ، فهو قول لغو ، في طريق الكفارة ، ولكنه منعقد في القصد ، مكروه ، وربما يؤاخذ به ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يدعون أحدكم على نفسه فربما صادف ساعة لا يسأل الله أحد فيها شيئا إلا أعطاه إياه . وأما من قال إنه يمين الغضب فإنه يرده حلف النبي صلى الله عليه وسلم غاضبا ألا يحمل الأشعريين وحملهم وكفر عن يمينه . وسيأتي في " براءة " . قال ابن العربي : وأما من قال : إنه اليمين المكفرة فلا متعلق له يحكى . وضعفه ابن عطية أيضا وقال : قد رفع الله عز وجل المؤاخذة بالإطلاق في اللغو ، فحقيقتها لا إثم فيه ولا كفارة ، والمؤاخذة في الأيمان هي بعقوبة الآخرة في اليمين الغموس المصبورة ، وفيما ترك تكفيره مما فيه كفارة ، وبعقوبة الدنيا في إلزام الكفارة ، فيضعف القول بأنها اليمين المكفرة ؛ لأن المؤاخذة قد وقعت فيها ، وتخصيص المؤاخذة بأنها في الآخرة فقط تحكم .
الثالثة : قوله تعالى : في أيمانكم الأيمان جمع يمين ، واليمين الحلف ، وأصله أن العرب كانت إذا تحالفت أو تعاقدت أخذ الرجل يمين صاحبه بيمينه ، ثم كثر ذلك حتى سمي الحلف والعهد نفسه يمينا . وقيل : يمين فعيل من اليمن ، وهو البركة ، سماها الله تعالى بذلك لأنها تحفظ الحقوق . ويمين تذكر وتؤنث ، وتجمع : أيمان وأيمن ، قال زهير : . فتجمع أيمن منا ومنكم بقسمة تمور بها الدماء
الرابعة : ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم مثل قوله : ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان . وهناك يأتي الكلام فيه مستوفى ، إن شاء الله تعالى .
وقال [ ص: 97 ] زيد بن أسلم : قوله تعالى : ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم هو في الرجل يقول : هو مشرك إن فعل ، أي هذا اللغو ، إلا أن يعقد الإشراك بقلبه ويكسبه . ( غفور حليم ) صفتان لائقتان بما ذكر من طرح المؤاخذة ، إذ هو باب رفق وتوسعة .


