قوله تعالى : كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون  
قوله تعالى : كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين   كلا بمعنى حقا ، والوقف على تكذبون . وقيل أي ليس الأمر كما يقولون ولا كما ظنوا بل كتابهم في سجين ، وكتاب المؤمنين في عليين . وقال مقاتل    : كلا ، أي لا يؤمنون بالعذاب الذي يصلونه . ثم استأنف فقال : إن كتاب الأبرار  مرفوع في عليين على قدر مرتبتهم . قال ابن عباس    : أي في الجنة . وعنه أيضا قال : أعمالهم في كتاب الله في السماء . وقال الضحاك  ومجاهد  وقتادة    : يعني السماء السابعة فيها أرواح المؤمنين . وروى ابن الأجلح  عن الضحاك  قال : هي سدرة المنتهى ، ينتهي إليها كل شيء من أمر الله لا يعدوها ، فيقولون : رب عبدك فلان ، وهو أعلم  [ ص: 225 ] به منهم ، فيأتيه كتاب من الله - عز وجل - مختوم بأمانه من العذاب   . فذلك قوله تعالى : كلا إن كتاب الأبرار    . وعن كعب الأحبار  قال : إن روح المؤمن إذا قبضت صعد بها إلى السماء ، وفتحت لها أبواب السماء ، وتلقتها الملائكة بالبشرى ، ثم يخرجون معها حتى ينتهوا إلى العرش ، فيخرج لهم من تحت العرش رق فيرقم ويختم فيه النجاة من الحساب يوم القيامة ويشهده المقربون   . وقال قتادة  أيضا : في عليين هي فوق السماء السابعة عند قائمة العرش اليمنى   . وقال  البراء بن عازب  قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " عليون في السماء السابعة تحت العرش   " . 
وعن ابن عباس  أيضا : هو لوح من زبرجدة خضراء معلق بالعرش ، أعمالهم مكتوبة فيه   . وقال الفراء    : عليون ارتفاع بعد ارتفاع . وقيل : عليون أعلى الأمكنة . وقيل : معناه علو في علو مضاعف ، كأنه لا غاية له ; ولذلك جمع بالواو والنون . وهو معنى قول الطبري    . قال الفراء    : هو اسم موضوع على صفة الجمع ، ولا واحد له من لفظه ; كقولك : عشرون وثلاثون ، والعرب إذا جمعت جمعا ولم يكن له بناء من واحده ولا تثنية ، قالوا في المذكر والمؤنث بالنون . وهي معنى قول الطبري    . 
وقال الزجاج    : إعراب هذا الاسم كإعراب الجمع ، كما تقول : هذه قنسرون ، ورأيت قنسرين . وقال يونس النحوي  واحدها : علي وعلية . وقال أبو الفتح    : عليين : جمع علي ، وهو فعيل من العلو . وكان سبيله أن يقول علية كما قالوا للغرفة علية ; لأنها من العلو ، فلما حذف التاء من علية عوضوا منها الجمع بالواو والنون ، كما قالوا في أرضين . وقيل : إن عليين صفة للملائكة ، فإنهم الملأ الأعلى ; كما يقال : فلان في بني فلان ; أي هو في جملتهم وعندهم . والذي في الخبر من حديث ابن عمر  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن أهل عليين لينظرون إلى الجنة من كذا ، فإذا أشرف رجل من أهل عليين أشرقت الجنة لضياء وجهه ، فيقولون : ما هذا النور ؟ فيقال أشرف رجل من أهل عليين الأبرار أهل الطاعة والصدق   " . وفي خبر آخر : " إن أهل الجنة ليرون أهل عليين كما يرى الكوكب الدري في أفق السماء   " يدل على أن عليين اسم الموضع المرتفع . وروى ناس عن ابن عباس  في قوله عليين قال : أخبر أن أعمالهم وأرواحهم في السماء الرابعة   . 
ثم قال : وما أدراك ما عليون  أي ما الذي أعلمك يا محمد  أي شيء عليون ؟ على جهة التفخيم والتعظيم له في   [ ص: 226 ] المنزلة الرفيعة . ثم فسره له فقال : كتاب مرقوم يشهده المقربون    . 
وقيل إن كتاب مرقوم  ليس تفسيرا لعليين ، بل تم الكلام عند قوله ( عليون ) ثم ابتدأ وقال : كتاب مرقوم  أي كتاب الأبرار كتاب مرقوم ولهذا عكس الرقم في كتاب الفجار ; قاله القشيري    . وروي : أن الملائكة تصعد بعمل العبد ، فيستقبلونه فإذا انتهوا به إلى ما شاء الله من سلطانه أوحى إليهم : إنكم الحفظة على عبدي ، وأنا الرقيب على ما في قلبه ، وإنه أخلص لي عمله ، فاجعلوه في عليين ، فقد غفرت له ، وإنها لتصعد بعمل العبد ، فيتركونه فإذا انتهوا به إلى ما شاء الله أوحى إليهم : أنتم الحفظة على عبدي وأنا الرقيب على ما في قلبه ، وإنه لم يخلص لي عمله ، فاجعلوه في سجين   . 
قوله تعالى : يشهده المقربون   أي يشهد عمل الأبرار مقربو كل سماء من الملائكة . وقال وهب   وابن إسحاق    : المقربون هنا إسرافيل    - عليه السلام - ، فإذا عمل المؤمن عمل البر ، صعدت الملائكة بالصحيفة وله نور يتلألأ في السماوات كنور الشمس في الأرض ، حتى ينتهى بها إلى إسرافيل ،  فيختم عليها ويكتب فهو قوله : يشهده المقربون  أي يشهد كتابتهم   . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					