قوله تعالى : وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا   
فيه ست مسائل : 
الأولى : قوله تعالى : وأن المساجد لله    ( أن ) بالفتح ، قيل : هو مردود إلى قوله تعالى : قل أوحي إلي  أي قل أوحي إلي أن المساجد لله . وقال الخليل    : أي ولأن المساجد لله . والمراد البيوت التي تبنيها أهل الملل للعبادة . وقال سعيد بن جبير    : قالت الجن كيف لنا أن نأتي المساجد ونشهد معك الصلاة ونحن ناءون عنك ؟ فنزلت : وأن المساجد لله أي بنيت لذكر الله وطاعته . 
وقال الحسن    : أراد بها كل البقاع ; لأن الأرض كلها مسجد للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : " أينما كنتم فصلوا فأينما صليتم فهو مسجد   " ، وفي الصحيح : وجعلت لي الأرض   [ ص: 20 ] مسجدا وطهورا   . 
وقال  سعيد بن المسيب   وطلق بن حبيب    : أراد بالمساجد الأعضاء التي يسجد عليها العبد ، وهي القدمان والركبتان واليدان والوجه ; يقول : هذه الأعضاء أنعم الله بها عليك ، فلا تسجد لغيره بها ، فتجحد نعمة الله . 
قال عطاء    : مساجدك : أعضاؤك التي أمرت أن تسجد عليها لا تذللها لغير خالقها   . 
وفي الصحيح عن ابن عباس  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أمرت أن أسجد على سبعة أعظم الجبهة - وأشار بيده إلى أنفه - واليدين والركبتين وأطراف القدمين   . وقال العباس    : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب   " . 
وقيل : المساجد هي الصلوات ; أي لأن السجود لله . قاله الحسن  أيضا . فإن جعلت المساجد المواضع فواحدها مسجد بكسر الجيم ، ويقال بالفتح ; حكاه الفراء    . وإن جعلتها الأعضاء فواحدها مسجد بفتح الجيم . وقيل : هو جمع مسجد وهو السجود ، يقال : سجدت سجودا ومسجدا ، كما تقول : ضربت في الأرض ضربا ومضربا بالفتح : إذا سرت في ابتغاء الرزق . 
وقال ابن   [ ص: 21 ] عباس    : المساجد هنا مكة  التي هي القبلة وسميت مكة  المساجد ; لأن كل أحد يسجد إليها . والقول الأول أظهر هذه الأقوال إن شاء الله ، وهو مروي عن ابن عباس    - رحمه الله - . 
الثانية : قوله تعالى : لله إضافة تشريف وتكريم ، ثم خص بالذكر منها البيت العتيق  فقال : وطهر بيتي . 
وقال - عليه السلام - : لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد الحديث خرجه الأئمة . وقد مضى الكلام فيه . 
وقال - عليه السلام - : صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام    . 
قال  ابن العربي    : وقد روي من طريق لا بأس بها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ،  فإن صلاة فيه خير من مائة صلاة في مسجدي هذا ولو صح هذا لكان نصا . 
قلت : هو صحيح بنقل العدل عن العدل حسب ما بيناه في سورة ( إبراهيم ) . 
الثالثة : المساجد وإن كانت لله ملكا وتشريفا فإنها قد تنسب إلى غيره تعريفا ;  فيقال : مسجد فلان . وفي صحيح الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سابق بين الخيل التي أضمرت من   [ ص: 22 ] الحفياء وأمدها ثنية الوداع ، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق    . وتكون هذه الإضافة بحكم المحلية كأنها في قبلتهم ، وقد تكون بتحبيسهم ، ولا خلاف بين الأمة في تحبيس المساجد والقناطر والمقابر  وإن اختلفوا في تحبيس غير ذلك . 
الرابعة : مع أن المساجد لله لا يذكر فيها إلا الله فإنه تجوز القسمة فيها للأموال    . ويجوز وضع الصدقات فيها على رسم الاشتراك بين المساكين  وكل من جاء أكل . ويجوز حبس الغريم فيها ، وربط الأسير والنوم فيها ، وسكنى المريض فيها ،  وفتح الباب للجار إليها ، وإنشاد الشعر فيها إذا عري عن الباطل . وقد مضى هذا كله مبينا في سورة ( براءة ) و ( النور ) وغيرهما . 
الخامسة : قوله تعالى : فلا تدعوا مع الله أحدا  هذا توبيخ للمشركين في دعائهم مع الله غيره في المسجد الحرام    . وقال مجاهد    : كانت اليهود  والنصارى  إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله ، فأمر الله نبيه والمؤمنين أن يخلصوا لله الدعوة إذا دخلوا المساجد كلها . يقول : فلا تشركوا فيها صنما وغيره مما يعبد   . وقيل : المعنى أفردوا المساجد لذكر الله ، ولا تتخذوها هزوا ومتجرا ومجلسا ، ولا طرقا ، ولا تجعلوا لغير الله فيها نصيبا . 
وفي الصحيح : من نشد ضالة في المسجد فقولوا لا ردها الله عليك ; فإن المساجد لم تبن لهذا وقد مضى في سورة ( النور ) ما فيه كفاية من أحكام المساجد والحمد لله . 
السادسة : روى الضحاك  عن ابن عباس  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : كان إذا دخل المسجد قدم رجله اليمنى . وقال : وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا اللهم أنا عبدك وزائرك وعلى كل   [ ص: 23 ] مزور حق وأنت خير مزور فأسألك برحمتك أن تفك رقبتي من النار . فإذا خرج من المسجد قدم رجله اليسرى ; وقال : " اللهم صب علي الخير صبا ولا تنزع عني صالح ما أعطيتني أبدا ولا تجعل معيشتي كدا ، واجعل لي في الأرض جدا " أي غنى . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					