قوله تعالى : فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار السجود  
فيه خمس مسائل : 
الأولى : قوله تعالى : فاصبر على ما يقولون   خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ; أمره بالصبر على ما يقوله المشركون ; أي : هون أمرهم عليك . ونزلت قبل الأمر بالقتال فهي منسوخة . وقيل : هو ثابت للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته . وقيل معناه : فاصبر على ما يقوله اليهود  من قولهم : إن الله استراح يوم السبت . 
الثانية : قوله تعالى : وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب  قيل : إنه أراد به الصلوات الخمس . قال أبو صالح    : قبل طلوع الشمس صلاة الصبح ، وقبل الغروب صلاة العصر . ورواه  جرير بن عبد الله  مرفوعا قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر ، فقال : أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها يعني العصر   [ ص: 24 ] والفجر ، ثم قرأ جرير  وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها  متفق عليه واللفظ لمسلم    . وقال ابن عباس    : قبل الغروب الظهر والعصر   . 
ومن الليل فسبحه  يعني صلاة العشاءين . وقيل : المراد تسبيحه بالقول تنزيها قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ; قاله  عطاء الخراساني  وأبو الأحوص    . وقال بعض العلماء في قوله : قبل طلوع الشمس  قال ركعتي الفجر وقبل الغروب  الركعتين قبل المغرب ، وقال ثمامة بن عبد الله بن أنس    : كان ذوو الألباب من أصحاب محمد  صلى الله عليه وسلم يصلون الركعتين قبل المغرب   . وفي صحيح مسلم  عن أنس بن مالك  قال : كنا بالمدينة  فإذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري فركعوا ركعتين ، حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما   . وقال قتادة    : ما أدركت أحدا يصلي الركعتين إلا أنسا   وأبا برزة الأسلمي    . 
الثالثة : قوله تعالى : ومن الليل فسبحه وأدبار السجود  فيه أربعة أقوال : الأول : هو تسبيح الله تعالى في الليل ؛ قاله أبو الأحوص    . الثاني : أنها صلاة الليل كله ؛ قاله مجاهد    . الثالث : أنها ركعتا الفجر ؛ قاله ابن عباس    . الرابع : أنها صلاة العشاء الآخرة ؛ قاله ابن زيد    . قال  ابن العربي    : من قال إنه التسبيح في الليل فيعضده الصحيح : من تعار من الليل فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . وأما من   [ ص: 25 ] قال : إنها الصلاة بالليل فإن الصلاة تسمى تسبيحا لما فيها من تسبيح الله ، ومنه سبحة الضحى . وأما من قال إنها صلاة الفجر أو العشاء فلأنهما من صلاة الليل ، والعشاء أوضحه . 
الرابعة : قوله تعالى : وأدبار السجود  قال عمر  وعلي   وأبو هريرة   والحسن بن علي  والحسن البصري  والنخعي   والشعبي   والأوزاعي   والزهري    : أدبار السجود الركعتان بعد المغرب ، وأدبار النجوم  الركعتان قبل الفجر ، ورواه العوفي  عن ابن عباس  ، وقد رفعه ابن عباس  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ركعتان بعد المغرب أدبار السجود ؛ ذكره الثعلبي    . ولفظ  الماوردي    : وروي عن ابن عباس  قال : بت ليلة عند النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين قبل الفجر ، ثم خرج إلى الصلاة فقال : يا ابن عباس  ركعتان قبل الفجر أدبار النجوم وركعتان بعد المغرب أدبار السجود   . وقال أنس    : قال النبي صلى الله عليه وسلم من صلى ركعتين بعد المغرب قبل أن يتكلم كتبت صلاته في عليين   . قال أنس  فقرأ في الركعة الأولى قل يا أيها الكافرون  وفي الثانية قل هو الله أحد  قال مقاتل    : ووقتها ما لم يغرب الشفق الأحمر . وعن ابن عباس  أيضا : هو الوتر . قال ابن زيد    : هو النوافل بعد الصلوات ، ركعتان بعد كل صلاة مكتوبة ، قال النحاس    : والظاهر يدل على هذا إلا أن الأولى اتباع الأكثر وهو صحيح عن علي بن أبي طالب  رضي الله عنه . وقال أبو الأحوص    : هو التسبيح في أدبار السجود . قال  ابن العربي  وهو الأقوى في النظر . وفي صحيح الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر الصلاة المكتوبة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد وقيل : إنه   [ ص: 26 ] منسوخ بالفرائض فلا يجب على أحد إلا خمس صلوات ، نقل ذلك الجماعة . 
الخامسة : قرأ نافع  وابن كثير  وحمزة    " وإدبار السجود " بكسر الهمزة على المصدر من أدبر الشيء إدبارا إذا ولى . الباقون بفتحها جمع دبر . وهي قراءة علي  وابن عباس  ، ومثالها طنب وأطناب ، أو دبر كقفل وأقفال . وقد استعملوه ظرفا نحو جئتك في دبر الصلاة وفي أدبار الصلاة . ولا خلاف في آخر " والطور " وإدبار النجوم  أنه بالكسر مصدر ، وهو ذهاب ضوئها إذا طلع الفجر الثاني ، وهو البياض المنشق من سواد الليل . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					