[ ص: 273 ] تفسير سورة الحجرات 
تفسير سورة الحجرات . 
مدنية بإجماع . وهي ثماني عشرة آية . 
بسم الله الرحمن الرحيم . 
يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم    . 
فيه ثلاث مسائل : الأولى : قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله   قال العلماء : كان في العربي جفاء وسوء أدب في خطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وتلقيب الناس . فالسورة في الأمر بمكارم الأخلاق ورعاية الآداب . وقرأ الضحاك  ويعقوب الحضرمي    : ( لا تقدموا ) بفتح التاء والدال من التقدم . الباقون تقدموا بضم التاء وكسر الدال من التقديم . ومعناهما ظاهر ، أي : لا تقدموا قولا ولا فعلا بين يدي الله وقول رسوله وفعله فيما سبيله أن تأخذوه عنه من أمر الدين والدنيا . ومن قدم قوله أو فعله على الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد قدمه على الله تعالى لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما يأمر عن أمر الله عز وجل . 
الثانية : واختلف في سبب نزولها على أقوال ستة : 
الأول : ما ذكره الواحدي  من حديث  ابن جريج  قال : حدثني  ابن أبي مليكة  أن عبد الله بن الزبير  أخبره أنه قدم ركب من بني تميم  على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال أبو بكر    : أمر   [ ص: 274 ] القعقاع بن معبد    . وقال عمر    : أمر الأقرع بن حابس    . فقال أبو بكر    : ما أردت إلا خلافي . وقال عمر    : ما أردت خلافك . فتماديا حتى ارتفعت أصواتهما ، فنزل في ذلك : يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله    - إلى قوله - ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم  رواه  البخاري  عن الحسن بن محمد بن الصباح  ، ذكره المهدوي  أيضا . 
الثاني : ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يستخلف على المدينة  رجلا إذا مضى إلى خيبر  ، فأشار عليه عمر  برجل آخر ، فنزل : يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله  ذكره المهدوي  أيضا . 
الثالث : ما ذكره  الماوردي  عن الضحاك  عن ابن عباس    - رضي الله عنهما - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنفذ أربعة وعشرين رجلا من أصحابه إلى بني عامر  فقتلوهم ، إلا ثلاثة تأخروا عنهم فسلموا وانكفئوا إلى المدينة  ، فلقوا رجلين من بني سليم  فسألوهما عن نسبهما فقالا : من بني عامر  لأنهم أعز من بني سليم  فقتلوهما ، فجاء نفر من بني سليم  إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : إن بيننا وبينك عهدا ، وقد قتل منا رجلان ، فوداهما النبي - صلى الله عليه وسلم - بمائة بعير ، ونزلت عليه هذه الآية في قتلهم الرجلين   . 
الرابع : وقال قتادة    : إن ناسا كانوا يقولون لو أنزل في كذا ، لو أنزل في كذا ؟ فنزلت هذه الآية . ابن عباس    : نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه . مجاهد    : لا تفتاتوا على الله ورسوله حتى يقضي الله على لسان رسوله ، ذكره  البخاري  أيضا . 
[ الخامس ] : [ وقال ] الحسن    : نزلت في قوم ذبحوا قبل أن يصلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأمرهم أن يعيدوا الذبح   .  ابن جريج    : لا تقدموا أعمال الطاعات قبل وقتها الذي أمر الله تعالى به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - . 
قلت : هذه الأقوال الخمسة المتأخرة ذكرها القاضي  أبو بكر بن العربي  ، وسردها قبله  الماوردي    . قال القاضي : وهي كلها صحيحة تدخل تحت العموم ، فالله أعلم ما كان السبب المثير للآية منها ، ولعلها نزلت دون سبب ، والله أعلم . قال القاضي : إذا قلنا إنها نزلت في   [ ص: 275 ] تقديم الطاعات على أوقاتها فهو صحيح ; لأن كل عبادة مؤقتة بميقات لا يجوز تقديمها عليه كالصلاة والصوم والحج ، وذلك بين . إلا أن العلماء اختلفوا في الزكاة ، لما كانت عبادة مالية وكانت مطلوبة لمعنى مفهوم ، وهو سد خلة الفقير ، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعجل من العباس  صدقة عامين ، ولما جاء من جمع صدقة الفطر قبل يوم الفطر حتى تعطى لمستحقيها يوم الوجوب وهو يوم الفطر ، فاقتضى ذلك كله جواز تقديمها العام والاثنين    . فإن جاء رأس العام والنصاب بحاله وقعت موقعها . وإن جاء رأس العام وقد تغير النصاب تبين أنها صدقة تطوع . وقال أشهب    : لا يجوز تقديمها على الحول لحظة كالصلاة ، وكأنه طرد الأصل في العبادات فرأى أنها إحدى دعائم الإسلام فوفاها حقها في النظام وحسن الترتيب . ورأى سائر علمائنا أن التقديم اليسير فيها جائز ; لأنه معفو عنه في الشرع بخلاف الكثير . وما قاله أشهب  أصح ، فإن مفارقة اليسير الكثير في أصول الشريعة صحيح ولكنه لمعان تختص باليسير دون الكثير . فأما في مسألتنا فاليوم فيه كالشهر ، والشهر كالسنة . فإما تقديم كلي كما قاله أبو حنيفة   والشافعي  ، وإما حفظ العبادة على ميقاتها كما قال أشهب    . 
الثالثة : قوله تعالى : لا تقدموا بين يدي الله  أصل في ترك التعرض لأقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإيجاب اتباعه والاقتداء به ، وكذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه : مروا أبا بكر  فليصل بالناس . فقالت عائشة   لحفصة    - رضي الله عنهما : قولي له إن أبا بكر  رجل أسيف ، وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس من البكاء ، فمر عمر  فليصل بالناس . فقال - صلى الله عليه وسلم - : إنكن لأنتن صواحب يوسف    . مروا أبا بكر  فليصل بالناس   . فمعنى قوله ( صواحب يوسف    ) الفتنة بالرد عن الجائز إلى غير الجائز . وربما احتج بغاة القياس بهذه الآية . وهو باطل منهم ، فإن ما قامت دلالته فليس في فعله تقديم بين يديه . وقد قامت دلالة الكتاب والسنة على وجوب القول بالقياس في فروع الشرع  ، فليس إذا تقدم بين يديه . 
واتقوا الله يعني في التقدم المنهي عنه . إن الله سميع لقولكم عليم بفعلكم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					