[ ص: 23 ] قوله تعالى : فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون    . 
قوله تعالى : فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله   فيه ثلاث مسائل : 
الأولى : قال الزجاج    : فطرة  منصوب بمعنى اتبع فطرة الله . قال : لأن معنى فأقم وجهك للدين  اتبع الدين الحنيف واتبع فطرة الله . وقال الطبري    : فطرة الله  مصدر من معنى : فأقم وجهك  لأن معنى ذلك : فطر الله الناس ذلك فطرة . وقيل : معنى ذلك اتبعوا دين الله الذي خلق الناس له ; وعلى هذا القول يكون الوقف على حنيفا تاما . وعلى القولين الأولين يكون متصلا ، فلا يوقف على حنيفا . وسميت الفطرة دينا لأن الناس يخلقون له ، قال جل وعز : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون    . ويقال : عليها بمعنى لها ; كقوله تعالى : وإن أسأتم فلها    . والخطاب ب أقم وجهك  للنبي صلى الله عليه وسلم ، أمره بإقامة وجهه للدين المستقيم ; كما قال : فأقم وجهك للدين القيم  وهو دين الإسلام . وإقامة الوجه هو تقويم المقصد والقوة على الجد في أعمال الدين ; وخص الوجه بالذكر لأنه جامع حواس الإنسان وأشرفه . ودخل في هذا الخطاب أمته باتفاق من أهل التأويل . و حنيفا معناه معتدلا مائلا عن جميع الأديان المحرفة المنسوخة . 
الثانية : في الصحيح عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من مولود إلا يولد على الفطرة - في رواية ( على هذه الملة ) - أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ثم يقول  أبو هريرة    : واقرءوا إن شئتم ; فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله  في رواية : حتى تكونوا أنتم تجدعونها   [ ص: 24 ] قالوا : يا رسول الله ; أفرأيت من يموت صغيرا ؟ قال : الله أعلم بما كانوا عاملين   . لفظ مسلم    . 
الثالثة : واختلف العلماء في معنى الفطرة المذكورة في الكتاب والسنة  على أقوال متعددة ; منها الإسلام ; قاله  أبو هريرة   وابن شهاب  وغيرهما ; قالوا : وهو المعروف عند عامة السلف من أهل التأويل ; واحتجوا بالآية وحديث  أبي هريرة  ، وعضدوا ذلك بحديث عياض بن حمار المجاشعي  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس يوما : ألا أحدثكم بما حدثني الله في كتابه ، إن الله خلق آدم  وبنيه حنفاء مسلمين ، وأعطاهم المال حلالا لا حرام فيه فجعلوا مما أعطاهم الله حلالا وحراما . . الحديث . وبقوله صلى الله عليه وسلم : خمس من الفطرة . . فذكر منها قص الشارب ، وهو من سنن الإسلام ، وعلى هذا التأويل فيكون معنى الحديث : أن الطفل خلق سليما من الكفر على الميثاق الذي أخذه الله على ذرية آدم  حين أخرجهم من صلبه ، وأنهم إذا ماتوا قبل أن يدركوا في الجنة ; أولاد مسلمين كانوا أو أولاد كفار . 
وقال آخرون : الفطرة هي البداءة التي ابتدأهم الله عليها ; أي على ما فطر الله عليه خلقه من أنه ابتدأهم للحياة والموت والسعادة والشقاء ، وإلى ما يصيرون إليه عند البلوغ . قالوا : والفطرة في كلام العرب البداءة . والفاطر : المبتدئ ; واحتجوا بما روي عن ابن عباس  أنه قال : لم أكن أدري ما فاطر السماوات والأرض حتى أتى أعرابيان يختصمان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها ; أي ابتدأتها   . قال المروزي    : كان  أحمد بن حنبل  يذهب إلى هذا القول ثم تركه . قال أبو عمر  في كتاب التمهيد له : ما رسمه مالك  في موطئه وذكر في باب القدر فيه من الآثار - يدل على أن مذهبه في ذلك نحو هذا ، والله أعلم . ومما احتجوا به ما روي عن كعب القرظي  في قول الله تعالى : فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة  قال : من ابتدأ الله خلقه للضلالة صيره إلى الضلالة وإن   [ ص: 25 ] عمل بأعمال الهدى ، ومن ابتدأ الله خلقه على الهدى صيره إلى الهدى وإن عمل بأعمال الضلالة ، ابتدأ الله خلق إبليس على الضلالة وعمل بأعمال السعادة مع الملائكة ، ثم رده الله إلى ما ابتدأ عليه خلقه ، قال : وكان من الكافرين   . 
قلت : قد مضى قول كعب هذا في ( الأعراف ) وجاء معناه مرفوعا من حديث عائشة  رضي الله عنها قالت : دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة غلام من الأنصار  فقلت : يا رسول الله ، طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة ، لم يعمل السوء ولم يدركه ، قال : أو غير ذلك يا عائشة  ، إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم ، وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم خرجه ابن ماجه  في السنن . وخرج أبو عيسى الترمذي  عن عبد الله بن عمرو  قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان فقال : أتدرون ما هذان الكتابان ؟ فقلنا : لا يا رسول الله ، إلا أن تخبرنا ; فقال للذي في يده اليمنى : هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ، ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا - ثم قال للذي في شماله - هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا . . وذكر الحديث ، وقال فيه : حديث حسن . وقالت فرقة : ليس المراد بقوله تعالى : فطر الناس عليها  ولا قوله عليه السلام : كل مولود يولد على الفطرة العموم ؛ وإنما المراد بالناس المؤمنون ; إذ لو فطر الجميع على الإسلام لما كفر أحد ، وقد ثبت أنه خلق أقواما للنار ; كما قال تعالى : ولقد ذرأنا لجهنم  وأخرج الذرية من صلب آدم  سوداء وبيضاء . وقال في الغلام الذي قتله الخضر    : طبع يوم طبع كافرا . وروى أبو سعيد الخدري  قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بنهار ; وفيه : وكان فيما حفظنا أن قال : ألا إن بني آدم خلقوا طبقات شتى فمنهم من يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت مؤمنا ، ومنهم من يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت كافرا ، ومنهم من يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت كافرا ، ومنهم من يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت مؤمنا ، ومنهم حسن القضاء حسن الطلب   . ذكره حماد بن زيد بن سلمة  في   [ ص: 26 ] مسند الطيالسي  قال : حدثنا علي بن زيد  عن  أبي نضرة  عن أبي سعيد    . قالوا : والعموم بمعنى الخصوص كثير في لسان العرب ; ألا ترى إلى قوله عز وجل : تدمر كل شيء  ولم تدمر السماوات والأرض . وقوله : فتحنا عليهم أبواب كل شيء  ولم تفتح عليهم أبواب الرحمة . وقال  إسحاق بن راهويه الحنظلي    : تم الكلام عند قوله : فأقم وجهك للدين حنيفا  ثم قال : فطرة الله  أي فطر الله الخلق فطرة إما بجنة أو نار ، وإليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : كل مولود يولد على الفطرة ولهذا قال : لا تبديل لخلق الله  قال شيخنا أبو العباس    : من قال هي سابقة السعادة والشقاوة فهذا إنما يليق بالفطرة المذكورة في القرآن ; لأن الله تعالى قال : لا تبديل لخلق الله  وأما في الحديث فلا ; لأنه قد أخبر في بقية الحديث بأنها تبدل وتغير . وقالت طائفة من أهل الفقه والنظر : الفطرة هي الخلقة التي خلق عليها المولود في المعرفة بربه ; فكأنه قال : كل مولود يولد على خلقة يعرف بها ربه إذا بلغ مبلغ المعرفة ; يريد خلقة مخالفة لخلقة البهائم التي لا تصل بخلقتها إلى معرفته . واحتجوا على أن الفطرة الخلقة ، والفاطر الخالق ; لقول الله عز وجل : الحمد لله فاطر السماوات والأرض  يعني خالقهن ، وبقوله : وما لي لا أعبد الذي فطرني  يعني خلقني ، وبقوله : الذي فطرهن  يعني خلقهن . قالوا : فالفطرة الخلقة ، والفاطر الخالق ; وأنكروا أن يكون المولود يفطر على كفر أو إيمان أو معرفة أو إنكار . قالوا : وإنما المولود على السلامة في الأغلب خلقة وطبعا وبنية ليس معها إيمان ولا كفر ولا إنكار ولا معرفة ; ثم يعتقدون الكفر والإيمان بعد البلوغ إذا ميزوا . واحتجوا بقوله في الحديث : كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء   - يعني سالمة - هل تحسون فيها من جدعاء يعني مقطوعة الأذن . فمثل قلوب بني آدم بالبهائم لأنها تولد كاملة الخلق ليس فيها نقصان ، ثم تقطع آذانها بعد وأنوفها ; فيقال : هذه بحائر وهذه سوائب . يقول : فكذلك قلوب الأطفال في حين ولادتهم ليس لهم كفر ولا إيمان ، ولا معرفة ولا إنكار كالبهائم السائمة ، فلما بلغوا استهوتهم الشياطين فكفر أكثرهم ، وعصم الله أقلهم . قالوا : ولو كان الأطفال قد فطروا على شيء من الكفر والإيمان في أولية أمورهم ما انتقلوا عنه أبدا ، وقد نجدهم يؤمنون ثم يكفرون . قالوا : ويستحيل في المعقول أن يكون الطفل في حين ولادته يعقل كفرا أو إيمانا ؛ لأن الله أخرجهم في حال لا يفقهون معها شيئا ، قال الله تعالى :   [ ص: 27 ] والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا  فمن لا يعلم شيئا استحال منه كفر أو إيمان ، أو معرفة أو إنكار . قال أبو عمر بن عبد البر    : هذا أصح ما قيل في معنى الفطرة التي يولد الناس عليها . ومن الحجة أيضا في هذا قوله تعالى : إنما تجزون ما كنتم تعملون  و كل نفس بما كسبت رهينة  ومن لم يبلغ وقت العمل لم يرتهن بشيء . وقال : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا  ولما أجمعوا على دفع القود والقصاص والحدود والآثام عنهم في دار الدنيا كانت الآخرة أولى بذلك . والله أعلم . ويستحيل أن تكون الفطرة المذكورة الإسلام ، كما قال ابن شهاب    ; لأن الإسلام والإيمان : قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح ، وهذا معدوم من الطفل ، لا يجهل ذلك ذو عقل . وأما قول الأوزاعي    : سألت الزهري  عن رجل عليه رقبة أيجزي عنه الصبي أن يعتقه وهو رضيع  ؟ قال : نعم ; لأنه ولد على الفطرة يعني الإسلام ; فإنما أجزى عتقه عند من أجازه ; لأن حكمه حكم أبويه  . وخالفهم آخرون فقالوا : لا يجزي في الرقاب الواجبة إلا من صام وصلى ، وليس في قوله تعالى : كما بدأكم تعودون  ولا في ( أن يختم الله للعبد بما قضاه له وقدره عليه ) دليل على أن الطفل يولد حين يولد مؤمنا أو كافرا ; لما شهدت له العقول أنه في ذلك الوقت ليس ممن يعقل إيمانا ولا كفرا ، والحديث الذي جاء فيه : ( إن الناس خلقوا على طبقات ) ليس من الأحاديث التي لا مطعن فيها ; لأنه انفرد به  علي بن زيد بن جدعان  ، وقد كان شعبة  يتكلم فيه . على أنه يحتمل قوله : ( يولد مؤمنا ) ؛ أي يولد ليكون مؤمنا ، ويولد ليكون كافرا على سابق علم الله فيه ، وليس في قوله في الحديث خلقت هؤلاء للجنة وخلقت هؤلاء للنار أكثر من مراعاة ما يختم به لهم ; لا أنهم في حين طفولتهم ممن يستحق جنة أو نارا ، أو يعقل كفرا أو إيمانا . 
قلت : وإلى ما اختاره أبو عمر  واحتج له ، ذهب غير واحد من المحققين منهم ابن عطية  في تفسيره في معنى الفطرة ، وشيخنا أبو العباس    . قال ابن عطية    : والذي يعتمد عليه في تفسير هذه اللفظة أنها الخلقة والهيئة التي في نفس الطفل التي هي معدة ومهيأة لأن يميز بها   [ ص: 28 ] مصنوعات الله تعالى ، ويستدل بها على ربه ، ويعرف شرائعه ويؤمن به ; فكأنه تعالى قال : أقم وجهك للدين الذي هو الحنيف ، وهو فطرة الله الذي على الإعداد له فطر البشر ، لكن تعرضهم العوارض ; ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه فذكر الأبوين إنما هو مثال للعوارض التي هي كثيرة . وقال شيخنا في عبارته : إن الله تعالى خلق قلوب بني آدم مؤهلة لقبول الحق ، كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات ، فما دامت باقية على ذلك القبول وعلى تلك الأهلية أدركت الحق ودين الإسلام وهو الدين الحق . وقد دل على صحة هذا المعنى قوله : كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء يعني أن البهيمة تلد ولدها كامل الخلقة سليما من الآفات ، فلو ترك على أصل تلك الخلقة لبقي كاملا بريئا من العيوب ، لكن يتصرف فيه فيجدع أذنه ويوسم وجهه ، فتطرأ عليه الآفات والنقائص فيخرج عن الأصل ; وكذلك الإنسان ، وهو تشبيه واقع ووجهه واضح . 
قلت : وهذا القول مع القول الأول موافق له في المعنى ، وأن ذلك بعد الإدراك حين عقلوا أمر الدنيا ، وتأكدت حجة الله عليهم بما نصب من الآيات الظاهرة : من خلق السماوات والأرض ، والشمس والقمر ، والبر والبحر ، واختلاف الليل والنهار ; فلما عملت أهواؤهم فيهم أتتهم الشياطين فدعتهم إلى اليهودية والنصرانية فذهبت بأهوائهم يمينا وشمالا ، وأنهم إن ماتوا صغارا فهم في الجنة ، أعني جميع الأطفال ؛ لأن الله تعالى لما أخرج ذرية آدم  من صلبه في صورة الذر أقروا له بالربوبية وهو قوله تعالى : وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا    . ثم أعادهم في صلب آدم  بعد أن أقروا له بالربوبية ، وأنه الله لا إله غيره ، ثم يكتب العبد في بطن أمه شقيا أو سعيدا على الكتاب الأول ; فمن كان في الكتاب الأول شقيا عمر حتى يجري عليه القلم فينقض الميثاق الذي أخذ عليه في صلب آدم  بالشرك ، ومن كان في الكتاب الأول سعيدا عمر حتى يجري عليه القلم فيصير سعيدا ، ومن مات صغيرا من أولاد المسلمين قبل أن يجري عليه القلم  فهم مع آبائهم في الجنة ، ومن كان من أولاد المشركين فمات قبل أن يجري عليه القلم فليس يكونون مع آبائهم ; لأنهم ماتوا على الميثاق الأول الذي أخذ عليهم في صلب آدم  ولم ينقض الميثاق ،   [ ص: 29 ] ذهب إلى هذا جماعة من أهل التأويل ، وهو يجمع بين الأحاديث ، ويكون معنى قوله عليه السلام لما سئل عنأولاد المشركين  فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين يعني لو بلغوا . ودل على هذا التأويل أيضا حديث  البخاري  عن سمرة بن جندب  عن النبي صلى الله عليه وسلم - الحديث الطويل حديث الرؤيا ، وفيه قوله عليه السلام : وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإبراهيم  عليه السلام ، وأما الولدان حوله فكل مولود يولد على الفطرة . قال فقيل : يا رسول الله ، وأولاد المشركين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأولاد المشركين   . وهذا نص يرفع الخلاف ، وهو أصح شيء روي في هذا الباب ، وغيره من الأحاديث فيها علل وليست من أحاديث الأئمة الفقهاء ; قاله أبو عمر بن عبد البر    . وقد روي من حديث أنس  قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال : لم تكن لهم حسنات فيجزوا بها فيكونوا من ملوك الجنة ، ولم تكن لهم سيئات فيعاقبوا عليها فيكونوا من أهل النار ، فهم خدم لأهل الجنة ذكره يحيى بن سلام  في التفسير له . قد زدنا هذه المسألة بيانا في كتاب التذكرة ، وذكرنا في كتاب المقتبس في شرح موطأ مالك بن أنس  ما ذكره أبو عمر  من ذلك ، والحمد لله . 
وذكر إسحاق بن راهويه  قال : حدثنا  يحيى بن آدم  قال : أخبرنا جرير بن حازم  عن  أبي رجاء العطاردي  قال : سمعت ابن عباس  يقول : لا يزال أمر هذه الأمة مواتيا أو متقاربا - أو كلمة تشبه هاتين - حتى يتكلموا أو ينظروا في الأطفال والقدر . قال  يحيى بن آدم  فذكرته  لابن المبارك  فقال : أيسكت الإنسان على الجهل ؟ قلت : فتأمر بالكلام ؟ قال فسكت   . وقال أبو بكر الوراق    : فطرة الله التي فطر الناس عليها  هي الفقر والفاقة ; وهذا حسن ; فإنه منذ ولد إلى حين يموت فقير محتاج ، نعم ، وفي الآخرة . 
قوله تعالى : لا تبديل لخلق الله  أي هذه الفطرة لا تبديل لها من جهة الخالق . ولا يجيء الأمر على خلاف هذا بوجه ; أي لا يشقى من خلقه سعيدا ، ولا يسعد من خلقه شقيا . وقال مجاهد    : المعنى لا تبديل لدين الله ; وقاله قتادة   وابن جبير  والضحاك  وابن زيد  والنخعي  ، قالوا : هذا معناه في المعتقدات . وقال عكرمة    : وروي عن ابن عباس  وعمر بن الخطاب  أن   [ ص: 30 ] المعنى : لا تغيير لخلق الله من البهائم أن تخصى فحولها ; فيكون معناه النهي عن خصاء الفحول من الحيوان    . وقد مضى هذا في ( النساء ) . ذلك الدين القيم  أي ذلك القضاء المستقيم ; قاله ابن عباس    . وقال مقاتل    : ذلك الحساب البين . وقيل : ذلك الدين القيم  أي دين الإسلام هو الدين القيم المستقيم . ولكن أكثر الناس لا يعلمون  أي لا يتفكرون فيعلمون أن لهم خالقا معبودا ، وإلها قديما سبق قضاؤه ونفذ حكمه . 
				
						
						
