المسألة الثالثة والعشرون : قيل : هو خلوص النكاح له بلفظ الهبة دون غيره ، وعليه انبنى معنى الخلوص هاهنا . 
 [ ص: 601 ] وهذا ضعيف ; لأنا إن قلنا : إن نكاح النبي صلى الله عليه وسلم  لا بد فيه من الولي وعليه يدل { قوله  لعمرو بن أبي سلمة  ربيبه ، حين زوج أمه : قم يا غلام فزوج أمك   } . 
ولا يصح أن يكون المراد بهذه الآية هذا ; لأن قول الموهوبة : وهبت نفسي لك لا ينعقد به النكاح ، ولا بد بعده من عقد مع الولي ، فهل ينعقد بلفظه وصفته أم لا ؟ مسألة أخرى لا ذكر للآية فيها . 
الثاني : أن المقصود بالآية خلو النكاح من الصداق ، وله جاء البيان ، وإليه يرجع الخلوص المخصوص به . 
الثالث : أنه قال بعد ذلك : إن أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يستنكحها ، فذكره في جنبته بلفظ النكاح المخصوص بهذا العقد ، فهذا يدل على أن المرأة وهبت نفسها بغير صداق ، فإن أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج ، فيكون النكاح حكما مستأنفا ، لا تعلق له بلفظ الهبة ، إلا في المقصود من الهبة ، وهو سقوط العوض وهو الصداق . 
الرابع : إنا لا نقول : إن النكاح بلفظ الهبة جائز في حق غيره من هذا اللفظ ; فإن تقدير الكلام على ما بيناه أحللنا لك أزواجك ، وأحللنا لك المرأة الواهبة نفسها خالصة ، فلو جعلنا قوله : { خالصة    } حالا من الصفة التي هي ذكر الهبة دون الموصوف الذي هو المرأة وسقوط الصداق ، لكان إخلالا من القول ، وعدولا عن المقصود في اللفظ ، وذلك لا يجوز عربية ، ولا معنى . 
ألا ترى أنك لو قلت : أحدثك بالحديث الرباعي خالصا لك دون أصحابك لما كان رجوع الحال إلا إلى المقصود الموصوف ، وهو الحديث ; هذا على نظام التقدير ، فلو قلت على لفظ أحدثك بحديث إن وجدته بأربع روايات خالصا ذلك دون أصحابك لرجعت الحال إلى المقصود الموصوف أيضا ، دون الصفة ; وهذا لا يفهمه إلا المتحققون في العربية ، وما أرى من عزا إلى  الشافعي  أنه قال الضمير في قوله : { خالصة    } يرجع إلى النكاح بلفظ الهبة إلا قد وهم ، لأجل مكانته من العربية . 
والنكاح بلفظ الهبة جائز عند علمائنا ، معروف بدليله في مسائل الخلاف . 
 [ ص: 602 ] المسألة الرابعة والعشرون : 
قوله تعالى : { من دون المؤمنين    } فائدته أن الكفار وإن كانوا مخاطبين بفروع الشريعة عندنا فليس لهم في ذلك دخول ; لأن تصريف الأحكام إنما تكون بينهم على تقدير الإسلام . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					