[ ص: 430 ] الآية التاسعة والعشرون 
قوله تعالى : { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم    } . 
فيها أربع مسائل : المسألة الأولى : قوله تعالى { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم    } فيه مسألة بديعة من العربية ، وهي أن المصدر قد يضاف إلى المفعول ، كما يضاف إلى الفاعل  ، تقول : أعجبني ضرب زيد عمرو ، على الأول ، كما تقول : كرهت ضرب زيد عمرا ، على الثاني . 
وقد جهل بعض الأدباء هذا المقدار ، فعقد فصلا في ترغيب الناس في الدعاء قال فيه : فاهتبلوا بالدعاء ، وابتهلوا برفع أيديكم إلى السماء ، وتضرعوا إلى مالك أزمة القضاء ، فإنه تعالى يقول : { قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم    } وأراد لولا سؤالكم إياه ، وطلبكم منه ، ورأى أنه مصدر أضيف إلى فاعل . 
وليس كما زعم ، وإنما هو مصدر أضيف إلى المفعول . والمعنى قل يا محمد  للكفار : ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ببعثه الرسل إليكم ، وتبيين الأدلة لكم ، فقد كذبتم فسوف يكون عذابكم لزاما . المسألة الثانية : 
قد قال جماعة من الناس : إن المراد بالإضافة هاهنا إضافة المصدر إلى الفاعل ، ويكون لذلك ثلاثة معان : أحدها : لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم لبعض بينكم ، فإن إجابته واجبة ، وليست إجابتكم واجبة . يعني على الإطلاق ، وإنما تجب إجابة الخلق بقرائن من حقوق الله ، أو من حقوق الداعي . وقد تقدم بيان وجوب إجابة دعاء الرسول في سورة الأنفال .  [ ص: 431 ] 
والثاني : أن يكون معناه احذروا أن تتفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدعو عليكم ، وليس دعاؤه كدعاء بعضكم بعضا ، فإن دعوته مجابة ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : { إني عاهدت ربي عهدا ، قلت : اللهم إني بشر أغضب كما يغضب البشر ، فأيما رجل لعنته أو سببته فاجعل ذلك صلاة عليه ورحمة إلى يوم القيامة   } . 
المعنى الثالث : أن معناه لا تسووا بين الرسول وبينكم في الدعوة ، كل أحد يدعى باسمه إلا رسول الله فإنه يدعى بخطته وهي الرسالة . 
وكذلك قال العلماء غفيرا : إن الخليفة يدعى بها ، والأمير والمعلم ، ويوفر على كل واحد حظه من الخطة ، فيدعى بها قصد الكرامة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					