[ ص: 248 ] الآية الثالثة : قوله تعالى : { يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا     } . فيها مسألتان : 
المسألة الأولى : قد بينا الحكمة والحكم في سورة البقرة من كتابنا هذا ، وفي غيره من الكتب ، وأوضحنا وجوهها ومتصرفاتها ومتعلقاتها كلها . وأجلها مرتبة النبوة . 
المسألة الثانية : في المراد بالحكم هاهنا : وفيه ثلاثة أقوال : 
الأول : الوحي . والثاني : النبوة . والثالث : المعرفة والعمل بها . وهذا كله محتمل يفتقر إلى تحقيق ; فأما من قال : إنه الوحي فجائز أن يوحي الله إلى الصغير ، ويكاشفه بملائكته وأمره ، وتكون هذه المكاشفة نبوة غير مهموزة رفعة ومهموزة إخبارا ، ويجوز أن يرسله إلى الخلق كامل العقل والعلم مؤيدا بالمعجزة ، ولكن لم يرد بذلك خبر ، ولا كان فيمن تقدم . وقول عيسى    : { إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا    } . إخبار عما وجب له حصوله ، لا عما حصل بعد . 
وأما العلم والعمل فقد روى  ابن وهب  عن  مالك  في قوله : { وآتيناه الحكم صبيا    } . قال عيسى    : أوصيكم بالحكمة ، والحكمة في قول  مالك  هي طاعة الله ، والاتباع لها ، والفقه في الدين والعمل به ، وقال : ويبين ذلك أنك تجد الرجل عاقلا في أمر الدنيا ذا بصر فيها ، وتجد آخر ضعيفا في أمر دنياه عالما بأمر دينه بصيرا به ، يؤتيه الله إياه ، ويحرمه هذا ، فالحكمة الفقه في دين الله . 
 [ ص: 249 ] وروى عنه ابن القاسم  أنه سئل عن تفسير قوله تعالى : { وآتيناه الحكم صبيا    } قال : المعرفة والعمل به . انتهى قول  مالك    . 
وفي الإسرائيليات أنه قيل ليحيى  ، وهو صغير : ألا تذهب نلعب ؟ قال : ما خلقت للعب . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					