ذكر الحوادث التي كانت في سنة ثلاث عشرة من النبوة 
من ذلك: 
[ذكر العقبة الثانية] 
خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الموسم ، فلقيه جماعة من الأنصار ، فواعدوه بالعقبة من أوسط أيام التشريق ، فاجتمعوا فبايعوه . 
قال  كعب بن مالك:  خرجنا في حجاج قومنا حتى قدمنا مكة  وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة  من أوسط أيام التشريق [فلما فرغنا إلى الحج ، وكانت الليلة التي واعدنا  [ ص: 35 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم] لها ، ومعنا عبد الله بن عمرو بن حزام : أبو جابر ،  وكنا نكتم من معنا من المشركين من قومنا أمرنا ، فقلنا: يا أبا جابر ، إنك سيد من ساداتنا وشريف من أشرافنا ، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا . 
ثم دعوناه إلى الإسلام ، وأخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إيانا العقبة ، فأسلم وشهد معنا العقبة ، وكان نقيبا ، فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا ، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم نتسلل تسلل القطا ، حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ، ونحن [ثلاثة و] سبعون رجلا ، ومعنا امرأتان من نسائنا: نسيبة بنت كعب أم عمارة ،  وأسماء بنت عمرو بن عدي وهي: أم منيع ،  فاجتمعنا بالشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا ومعه عمه  العباس بن عبد المطلب ،  وهو يومئذ على دين قومه ، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له . 
فلما جلس كان أول من تكلم العباس ، فقال: يا معشر الخزرج   - وكانت العرب إنما يسمون هذا الحي من الأنصار: الخزرج ،  خزرجها وأوسها - إن محمدا  منا حيث قد علمتم ، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه ، وهو في عز من قومه ومنعة في بلده ، وإنه قد أبى إلا الانقطاع إليكم واللحوق بكم ، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ، ومانعوه ممن خالفه ، فأنتم وما تحملتم من ذلك ، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج إليكم ، فمن الآن فدعوه ، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده . 
قال: فقلنا: إنا قد سمعنا ما قلت ، فتكلم يا رسول الله وخذ لنفسك وربك ما أحببت . 
قال: فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتلا القرآن ودعا إلى الله تبارك وتعالى ، ورغب في  [ ص: 36 ] الإسلام ، ثم قال: "أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم" . 
قال: فأخذ  البراء بن معرور  بيده ، ثم قال: والذي بعثك بالحق ، لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا ، فبايعنا يا رسول الله ، فنحن والله أهل الحرب وأهل الحلقة ، ورثناها كابرا عن كابر . 
قال: فاعترض القول ، والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أبو الهيثم بن التيهان ، فقال: يا رسول الله ، إن بيننا وبين الناس حبالا ونحن قاطعوها - يعني: اليهود - فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ 
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال: " [بل] الدم الدم ، والهدم الهدم ، أنتم مني وأنا منكم ، أحارب من حاربتم ، وأسالم من سالمتم"   . 
وقال: "أخرجوا إلي اثني عشر نقيبا يكونون على قومهم" .  [ ص: 37 ] 
فأخرجوا اثني عشر نقيبا ، تسعة من الخزرج  وثلاثة من الأوس .  وقال  ابن إسحاق   : فحدثني عبد الله بن أبي بكر بن حرام   : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للنقباء: "أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم [وأنا كفيل على قومي] قالوا: نعم . قال  ابن إسحاق   : وحدثني  عاصم بن عمر بن قتادة   : أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله ، قال العباس بن عبادة بن نضلة:  يا معشر الخزرج ،  هل تدرون على ما تبايعون هذا الرجل؟ قالوا: نعم . قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس ، فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة ، وأشرافكم قتلا أسلمتموه ، فمن الآن ، فهو والله خزي الدنيا والآخرة إن فعلتم ، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال ، وقتل الأشراف ، فخذوه ، فهو والله خير الدنيا والآخرة . 
قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال ، وقتل الأشراف ، فما لنا بذلك يا رسول الله ، إن نحن وفينا؟ قال: "الجنة" . قالوا: ابسط يدك . فبسط يده ، فبايعوه . 
فأما  عاصم بن عمر بن قتادة  فقال: والله ما قال العباس ذلك إلا ليشد بالعقد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أعناقهم . وأما عبد الله بن أبي بكر  فقال: والله ما قال العباس ذلك إلا ليؤخر القوم تلك الليلة رجاء أن يحضرها عبد الله بن أبي ابن سلول  ، فيكون أقوى لأمر القوم . والله يعلم أي ذلك كان . 
فبنو النجار  يزعمون أن  أبا أمامة ، أسعد بن زرارة ،  كان أول من ضرب على يديه ، وبنو عبد الأشهل  يقولون: بل أبو الهيثم بن التيهان   . 
وقال  كعب بن مالك:  كان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم  البراء بن معرور ،  ثم بايع القوم .  [ ص: 38 ] 
فلما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صرخ الشيطان من رأس العقبة ، بأنفذ صوت سمعته قط: يا أهل الجباجب ، هل لكم في مذمم ، والصباة معه قد اجتمعوا على حربكم . 
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يقول عدو الله ، هذا أزب العقبة ، اسمع أي عدو الله ، أما والله لأفرغن لك" . 
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ارفضوا إلى رحالكم" فقال له العباس بن عبادة بن نضلة: والذي بعثك بالحق ، لئن شئت لنميلن غدا على أهل منى بأسيافنا؟ . 
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم نؤمر بذلك ، ولكن ارجعوا إلى رحالكم" . 
فرجعنا إلى مضاجعنا ، فنمنا عليها حتى أصبحنا ، فلما أصبحنا غدت علينا جلة قريش ، حتى جاءونا في منازلنا ، فقالوا: يا معشر الخزرج ، إنا قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا ، وتبايعونه على حربنا ، وإنه والله ما من حي أبغض إلينا ، أن تنشب الحرب بيننا وبينهم ، منكم . 
قال: فانبعث من هناك من مشركي قومنا يحلفون لهم بالله ما كان من هذا شيء ، وما علمناه . قال: وصدقوا لم يعلموا . قال: وبعضنا ينظر إلى بعض . قال  ابن إسحاق   : وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن حرام   : أن قريشا أتوا عبد الله بن أبي ابن سلول ،  وذكروا له ما قد سمعوا من أصحابه ، فقال: إن هذا الأمر  [ ص: 39 ] جسيم ، وما كان قومي ليتفوتوا علي بمثل ذلك ، وما علمته . فانصرفوا عنه . 
أخبرنا  ابن ناصر  قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار  قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن الحسين  قال: أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسين المروزي  قال: أخبرنا أحمد بن الحارث بن محمد بن عبد الكريم  قال: حدثني جدي محمد بن عبد الكريم  قال: أخبرنا  الهيثم بن عدي  قال: أخبرنا  سعيد بن أبي عروبة ،  عن  قتادة ،  عن  أنس  قال: 
تفاخرت الأوس والخزرج ، فقال الأوس: منا أربعة ليس فيكم مثلهم: منا من اهتز عرش الرحمن لموته:  سعد بن معاذ ،  ومنا غسيل الملائكة: حنظلة بن أبي عامر ،  ومنا من حمت لحمه الدبر: عاصم بن أبي ثابت ،  ومنا من جعلت شهادته شهادة رجلين:  خزيمة بن ثابت .   
فقالت الخزرج:  منا أربعة كلهم جمع كتاب الله الذي ارتضاه لنفسه وأنزله على نبيه ولم يجمعه رجل منكم:   أبي بن كعب ،   ومعاذ بن جبل ،   وزيد بن ثابت ،  وأبو الدرداء .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					