الفائدة الثانية : 
قال في الروض الأنف : «ومعنى جبريل   :  عبد الرحمن أو عبد العزيز ، هكذا جاء عن  ابن عباس  رضي الله عنهما موقوفا ومرفوعا أيضا والوقف أصح . وأكثر الناس أن آخر الاسم منه أعجمي وهو «إيل» ، وكان شيخنا يعني  ابن العربي  يذهب مذهب طائفة من  [ ص: 99 ] أهل العلم في أن هذه الأسماء إضافتها مقلوبة وكذلك الإضافة في كلام العجم يقولون في «غلام زيد» . زيد غلام فعلى هذا يكون «إيل» عبارة عن العبد ويكون أول الاسم عبارة عن اسم من أسماء الله تعالى . 
قلت : روى  ابن جرير  عن  ابن عباس  رضي الله عنهما ،  وابن المنذر  عن عكرمة ،   وأبو الشيخ  عن علي بن الحسين  قالوا : اسم جبريل  عبد الله وميكائيل  عبيد الله ، وكل شيء راجع إلى «إيل» فهو معبد لله عز وجل ، زاد علي بن الحسين  وإسرافيل  عبد الرحمن ، زاد عكرمة :  
«والإيل» : الله . 
قال  الماوردي   : «ولا يعلم  لابن عباس  مخالف في ذلك» ، وقال السهيلي :  «إنه قول الأكثر» . وقال الشيخ شهاب الدين الحلبي  رحمه الله تعالى في شرح الشاطبية : «اختلف الناس في هذا الاسم هل هو مشتق أم لا؟ والذي عليه الجمهور أنه لا اشتقاق» إذ الأسماء الأعجمية لا اشتقاق لها . وقال آخرون : بل هو مشتق من جبروت الله تعالى . 
وكذلك اختلفوا فيه هل هو اسم بسيط لا تركيب فيه أو هو مركب؟ فإن جبر» معناه «عبد» ، «وإيل» هو اسم الباري تعالى وقد قيل ذلك في إسرافيل ،  ثم اختلفوا في تركيبه ، هل هو مركب تركيب إضافة أو تركيب مزج؟ فذهب بعضهم إلى الأول ، ورد بأنه كان ينبغي أن يعرب إعراب المتضايفين ، فيجرى الأول منهما مجرى الإعراب ، ويجرى الثاني وينون ، إذ لا مانع له من الصرف ، كما انصرف «إل» في قول من جعله اسما لله تعالى من قوله عز وجل : لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة   [التوبة : 10] وهذا كما تقول : جاءني عبد الله ، ورأيت عبد الله ومررت بعبد الله . وذهب آخرون كأبي العباس المهدوي  إلى أنه مركب تركيب مزج كبعلبك  وحضرموت ،  وهذا قريب إلا أن بعضهم رد عليه بأنه كان ينبغي أن يبنى الأول على الفتح ليس إلا ، وأنت كما رأيتهم يكسرون الراء في بعض اللغات . ورد عليه بعضهم أيضا بأنه لو كان مركبا تركيب مزج لجاز أن يعرب إعراب المتضايفين أو يبنى على الفتح كأحد عشر ، فإنه مركب تركيب مزج يجوز فيه هذه الأوجه ، فكونه لم يسمع فيه البناء ولا جريانه جريان المتضايفين دليل على عدم تركيبه تركيب مزج . وهذا الرد مردود لأنه جاء على أحد الجائزين ، واتفق أنه لم يستعمل إلا كذلك . انتهى . 
قال السهيلي :  «واتفق في اسم جبريل  عليه السلام أنه موافق من جهة العربية لمعناه وإن كان أعجميا ، فإن الجبر هو إصلاح ما وهي ، وجبريل  موكل بالوحي ، وفي الوحي إصلاح ما فسد وجبر ما وهي من الدين ، ولم يكن هذا الاسم معروفا بمكة  ولا بأرض العرب ، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم  خديجة  به انطلقت تسأل من عنده علم الكتاب كعداس  ونسطور الراهب  وورقة .   [ ص: 100 ] 
فقالوا لها : قدوس قدوس أنى لهذا الاسم أن يذكر في هذه البلاد» كما تقدم بيان ذلك . 
				
						
						
