جماع أبواب الصلاة والسلام عليه- صلى الله عليه وسلم- زاده الله فضلا وشرفا لديه 
الباب الأول في فوائد تتعلق بالآية الكريمة 
منها : أنه انعقد الإجماع على أن في هذه الآية من تعظيم الله تعالى للنبي- صلى الله عليه وسلم-  والتنويه به ما ليس في غيرها» وهي مدنية ، والمقصود منها إخباره تعالى عباده بمنزلة نبيه- صلى الله عليه وسلم- عنده في الملأ الأعلى ، بأنه أثنى عليه عند الملائكة المقربين ، وأن الملائكة يصلون عليه ، ثم أمر أهل العالم السفلي بالصلاة عليه والتسليم ، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعا ، وقال تعالى : يصلون   - بصيغة المضارع الدالة على الدوام والاستمرار- ليدل على أنه- سبحانه وتعالى- وجميع الملائكة يصلون على نبينا- صلى الله عليه وسلم   - دائما أبدا ، وغاية مطلوب الأولين والآخرين صلاة واحدة من الله تعالى ، وأنى لهم ذلك ؟ ! ومنها : 
الكلام على اشتقاقها ومعناها لغة وشرعا ، وللصلاة في اللغة  معنيان . 
أحدهما : 
الدعاء والتبرك ، ومنه قوله تعالى : وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم   [التوبة 103] وقوله عز وجل : وصلوات الرسول   [التوبة 99] وقوله تعالى : ولا تصل على أحد منهم مات أبدا   [التوبة 84] . 
ومنه الصلاة على الجنازة ، أي : الدعاء له ، وسمي الدعاء صلاة؛ لأن قصد الداعي جميع المقاصد الجميلة ، بحسب اختلاف السائلين . 
والمعنى الثاني : العبادة ، ومنه 
قوله عليه الصلاة والسلام : « إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب ، فإن كان صائما فليصل » ، أي : فليدع بالبركة لهم . 
وقيل : معناهما الدعاء ، وبهذا تزول الإشكالات الواردة على اسم الصلاة الشرعية ، هل هي منقولة عن موضوعها في اللغة ؟ فتكون حقيقة شرعية ، لا مجازا شرعيا ، فعلى هذا تكون الصلاة باقية على مسماها لغة ، وهو الدعاء ، والدعاء دعاء عبادة ودعاء مسألة ، والمصلي من حين تكبيره إلى سلامه بين دعاء العبادة ودعاء المسألة ، فهو في صلاة حقيقية لا مجازا ولا منقولا ، لكن خص اسم الصلاة بهذه العبادة المخصوصة بسائر الألفاظ التي تخصها أهل اللغة والصرف ببعض مسمياتها كالدابة والرأس ، فهذا غايته تخصيص اللفظ وقصره على بعض  [ ص: 410 ] موضوعه ، وهذا لا يوجب نقلا ولا خروجا عن موضوعه الأصلي ، وهو نوعان : دعاء عبادة ، ودعاء مسألة؛ فالعابد داع كالسائل ، وبهما فسر قوله تعالى : ادعوني أستجب لكم   [غافر 60] فقيل : أطيعوني أثبكم . 
وقيل : سلوني أعطكم . 
قال ابن القيم   : والصواب أن الدعاء يعم النوعين أو غير ذلك . 
واعلم أن الصلاة يختلف حالها بحسب حال المصلي والمصلى له والمصلى عليه . 
فأما بالنسبة إلى حال المصلي ، فقيل : إن معنى صلاة الله على نبيه صلاته عليه عند ملائكته ، وصلاة الملائكة عليه  الدعاء له . رواه  البخاري  في أبي العالية . 
وقيل : صلاة الرب الرحمة ، وصلاة الملائكة الاستغفار ، نقله  الترمذي  عن سفيان وغير واحد من أهل العلم ، ورجح القرافي  أن الصلاة من الله المغفرة . 
وقيل : صلاته تعالى : «سبوح قدوس رب الملائكة والروح» . رواه  ابن أبي حاتم  عن  عطاء بن أبي رباح  في قوله تعالى : إن الله وملائكته يصلون على النبي  الآية . 
وقال  الماوردي   : هي من الله في أظهر الوجوه الرحمة ، ومن الملائكة الاستغفار ، ومن المؤمنين الدعاء . 
نقل عياض  عن أبو بكر القشيري  قال : الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم- تشريف وزيادة تكرمة ، وعلى من دون النبي رحمة . 
وأما صلاتنا فالمراد بها التعظيم بأسباب ما ينبغي له فضل الله تعالى . 
فمعنى قولنا : «اللهم صل على محمد ، اللهم أعطه في الدنيا بإعلاء ذكره ، وإظهار دينه ، وإبقاء شريعته ، وفي الآخرة تشفيعه في أمته وإجزال أجره ومثوبته ، وإبداء فضله للأولين والآخرين بالمقام المحمود ، وتقديمه على كافة المقربين الشهود ، وهذا وإن كان واجبا علينا فهو ذو درجات ومراتب ، فإذا صلى عليه أحد من أمته واستجيب دعاؤه ، جاز أن يزاد النبي- صلى الله عليه وسلم- بذلك الدعاء في كل شيء مما سميناه ، ولما لم نملك إيصال ما يعظم به أمره ، ويعلو به قدره؛ لأن ذلك إنما هو بيد الله تعالى ، أمرنا أن نصلي عليه بأن ندعو الله تعالى له بذلك ، ونبتغي من الله تعالى إيصال ذلك إليه ، قضاء لحقه ، وتقربا إلى الله تعالى ، فقد أمرنا بالمكافأة لمن أحسن إلينا ، فإن عجزنا عنه ، كافأناه بالدعاء ، فأرشدنا تعالى لما علم عجزنا عن ذلك إلى الصلاة عليه ، ليكون مكافأة لإحسانه إلينا ، قاله ابن عبد السلام .  [ ص: 411 ] 
وقال  ابن العربي :  فائدة : الصلاة عليه ترجع إلى المصلي ، لدلالة ذلك على نصوح العقيدة وخلوص النية وإظهار المحبة ، والمداومة على الطاعة والاحترام للواسطة الكريمة . 
قال السهيلي   - رحمه الله تعالى- ما حاصله : أن الله تعالى أخبر أنه هو وملائكته يصلون عليه ، وكل واحد من المؤمنين وجب أن يصلي عليه ، فوجب على كل واحد أن يباشر الصلاة عليه- صلى الله عليه وسلم- ، والصلاة عليه- صلى الله عليه وسلم- بعد موته من هذا القبيل . 
وقال أيضا : صلاة الملائكة في ذلك الزمان وما تأخر جميعه محتمل لأمرين : 
إما أن يكون على سبيل الأوجب ، بالنسبة إليه- صلى الله عليه وسلم- . 
وإما أن يكون على سبيل الأفضل ، بالنسبة إليه ، وهو الأقرب . 
وعلى الاحتمالين فالخصوصية ثابتة . 
إما على الأول فواضح . 
وإما على الثاني ، فلأن الأفضل في حق غيره فعلها جملة ، وليست شرطا بلا خلاف . 
وقال ابن النعمان ،  عن شيخه ابن عبد السلام  ليست الصلاة على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بشفاعة منا ، فإن مثلنا لا يشفع لمثله ، لكن الله سبحانه وتعالى أمرنا بمكافأة من أنعم علينا وأحسن إلينا ، فإن عجزنا عن مكافأته دعونا له أن يكافئه عنا ، ولما عجزنا عن مكافأة سيد الأولين والآخرين ، أمرنا رب العالمين أن نرغب إليه ، بأن نصلي ، لتكون صلاتنا عليه مكافأة لإحسانه إلينا ، وإفضاله علينا ، إذ لا إحسان أفضل من إحسانه- صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وإخوانه . 
قال السهيلي   : وفي حكمها مذاهب . الاستحباب مطلقا ، قاله ابن جرير الطبري ،  وادعى الإجماع عليه ، وأوله بعض العلماء بما زاد على المرة الواحدة ، وهو متعين ، فقد نقل ابن القصار  وغيره الإجماع على أنها تجب في الجملة من غير حصر ، لكن أقل ما يحصل به الإجزاء مرة . 
وقال  ابن عبد البر   : أجمع العلماء على أن الصلاة عليه فرض على كل مؤمن بقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه   [الأحزاب 56] . 
وقيل : واجبة مرة في العمر في صلاة أو غيرها ، ككلمة التوحيد ، وحمد الله وشكره . 
قال  ابن حزم ،  وأبو بكر الرازي  من الحنفية ، وغيرهما ، وقال  القرطبي  المفسر : لا خلاف في أن الصلاة عليه فرض في العمر مرة ، وأنها واجبة في كل حين [من الواجبات] وجوب السنن المؤكدة ، وسبقه إلى ذلك ابن عطية  فقال : الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم- في كل حال  [ ص: 412 ] واجبة  وجوب السنن المؤكدة ، التي لا يسع تركها ، ولا يغفلها إلا من لا خير فيه وقال ابن القصار :  المشهور عن أصحابنا أنها واجبة في الجملة على الإنسان ، وفرض عليه أن يأتي بها مرة في دهره ، مع القدرة على ذلك . 
قال الفاكهاني   : في معنى المشهور ، أنه اشتهر من قول أصحابنا ، لا أعلم مخالفا . 
وقيل : تجب في القعود آخر الصلاة ، وهو مذهب الإمام  الشافعي  ومن تبعه . 
وقيل : تجب في التشهد ، وهو قول  الشعبي   وابن راهويه   . 
وقيل : تجب في الصلاة من غير تعيين محل ، نقل ذلك عن أبي بكير  من المالكية . 
وقيل : يجب الإكثار منها من غير تقييد بعدد ، قاله أبو بكر بن بكير  من المالكية . 
وقال بعض المالكية : فرض إسلامي جملي غير متعلق بعدد ولا وقت معين . 
وقيل : يجب كلما ذكر ، قاله  الطحاوي  وجماعة من الحنفية ، والحليمي ،  وجماعة من الشافعية . 
وقال  ابن العربي  من المالكية : إنه الأحوط . 
قيل : في كل مجلس مرة ، ولو تكرر ذكره مرارا ، حكاه  الزمخشري .  
وقيل : في كل دعاء [حكاه أيضا] . 
[ومنها ما روي عن سهل بن محمد   [ . . . ] آدم [ . . . ] بأمر الملائكة له بالسجود؛ لأنه لا يجوز أن يكون الله مع الملائكة في هذا التعريف ، فتشريف يصدر عنه أبلغ من تشريف يختص به الملائكة . 
ومنها : ما ذكره عن  ابن أبي الدنيا ،  عن  ابن أبي فديك ،  سمعت بعض من أدركت يقول : 
بلغنا أنه من وقف عند قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال هذه الآية ثم قال : صلى الله عليك يا محمد سبعين مرة ناداه ملك : صلى الله عليك يا فلان ، لم يسقط لك حاجة] . 
ومنها أنه عبر فيها بالنبي- صلى الله عليه وسلم- ، ولم يقل : على محمد ، كما وقع لغيره من الأنبياء- صلى الله عليه وسلم- لقوله : يا آدم ، يا يحيى ، يا عيسى ، يا إبراهيم؛ لما في ذلك من الفخامة والكرامة التي اختص بها عن سائر الأنبياء ، إشعارا بعلو المقدار ، وإعلاما بالتفضيل على سائر الرسل  [ ص: 413 ] الكرام ، ولما ذكر نبينا مع الخليل- صلى الله عليه وسلم- ذكر الخليل باسمه ، وذكر الحبيب بلقبه فقال : 
إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي   [آل عمران 68] فكل موضع سماه باسمه إنما هو لمصلحة تقتضي ذلك فافهمه . 
ومنها أن الأولى قد يكون الألف واللام فيه للغلبة ، كالمدينة ،  فكأنه المعروف الحقيقي به ، المقدم على سائر الأنبياء- صلى الله عليه وسلم- . 
ومنها أن صلاة جميع الملائكة عليه مما خصه الله تعالى به دون سائر الأنبياء والمرسلين . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					