الباب السادس فيما اختص به-صلى الله عليه وسلم- عن أمته من المحرمات وفيه نوعان : الأول : في غير النكاح . 
وفيه مسائل : الأولى : خص -صلى الله عليه وسلم- بتحريم الزكاة عليه ، ويشاركه في حرمتها ذوو القربى ومواليهم ، وكذا زوجاته ،  لكن التحريم عليهم بسببه أيضا ، فالخاصية عائدة إليه ، وكذا صدقة التطوع عليه في الأظهر . 
روى  مسلم  عن المطلب بن ربيعة  أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال :  "إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد"  . 
وروى  الإمام أحمد   وأبو داود  عن أبي رافع ،   والطبراني  عن  ابن عباس-  رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استعمل الأرقم الزهري  على السعاية ، فاستتبع أبا رافع مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : "يا أبا رافع ، إن الصدقة حرام على محمد وعلى آل محمد ، وإن مولى القوم من أنفسهم"  . 
وروى  الإمام الشافعي   والبيهقي  عن جعفر بن محمد  أن أباه كان يشرب من سقايات بين مكة  والمدينة  فقيل : أتشرب من الصدقة ؟ فقال : إنما حرم علينا الصدقة المفروضة ، قال العلماء : لما كانت الصدقة أوساخ الناس ، نزه منصبه الشريف عن ذلك ، وانجر إلى آله بسببه ، وأيضا فالصدقة تعطى على سبيل الترحم المبني عن ذل الآخذ ، فأبدلوا عنها الغنيمة المأخوذة بطريق الغزو الشريف المبني على عز الآخذ وذل المأخوذ منه . 
وجزم  الحسن البصري  بأن الأنبياء كلهم كذلك ، وخالف  سفيان بن عيينة .  
الثانية : وبتحريم الكفارة .  
الثالثة : والمنذورات ، وكذا على آله فيهما . 
الرابعة : والوقف معينا . قاله الجلال البلقيني . 
قال في الجواهر ما يؤيده ، فإنه قال : صدقة التطوع كانت حراما عليه على الصحيح .  
وعن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن صدقات الأعيان كانت حراما عليه دون العامة كالمساجد ومياه الآبار .  [ ص: 409 ] 
الخامسة : وبتحريم كون آله -صلى الله عليه وسلم- عمالا على الزكاة في الأصح .  
روى ابن سعد   والحاكم  عن  علي  قال : قلت للعباس : سل النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يستعملك على الصدقة ، فسأله فقال : "ما كنت لأستعملك على غسالة الأيدي"  . 
وروى ابن سعد  عن عبد الملك بن المغيرة-  رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  "يا بني عبد المطلب ، إن الصدقة أوساخ الناس ، فلا تأكلوها ولا تعملوها"  . 
السادسة : وبتحريم أكل ثمن أحد من ولد إسماعيل . 
روى  الإمام أحمد  عن عمران بن حصين الضبي-  رضي الله تعالى عنه- أن رجلا حدثه قال : كان شيخان للحي قد انطلق ابن لهما فلحق بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فقالا : ائته فاطلبه منه ، فإن أبى إلا الفداء فافتده ، فأتيته فطلبته منه فقال : "هو ذا ، فأت به أباه" ، فقلت : الفداء يا نبي الله ، فقال :  "إنه لا يصلح ، لنا آل محمد أن نأكل ثمن أحد من ولد إسماعيل"  
وهذا الحكم المذكور في هذا الحديث لم يتعرض له أحد من الفقهاء . 
السابعة : قيل وبتحريم أكل ما له رائحة كريهة والأصح الكراهة والامتناع لتأذي الملك به ،  وفي صحيح  مسلم  عن  أبي أيوب-  رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أتي بطعام أكل منه وبعث بفضله إلي ، وإنه بعث إلي يوما بفضلة لم يأكل منها ، لأن فيها ثوما ، فسألته أحرام هو ؟ قال : لا ، ولكني أناجي من لا تناجي ، أكرهه من أجل ريحه ، قال : فإني أكره ما كرهت . 
وأخرجه  ابن خزيمة   وابن حبان  بلفظ : إني أستحي من ملائكة الله ، وليس بمحرم . 
فهذا صريح في نفي التحريم عليه -صلى الله عليه وسلم- فائدة : 
روى  الإمام أحمد   وأبو داود  بسند جيد عن  عائشة-  رضي الله تعالى عنها- أنها سئلت عن أكل البصل ، فقالت : آخر طعام أكله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه بصل . 
زاد  البيهقي  أنه كان مشويا في قدر ، أي مطبوخا . 
الثامنة : قيل : وبتحريم الأكل متكئا ،  والأصح الكراهة . 
روى  النسائي  بسند حسن عن  ابن عباس   (رضي الله عنه ) أن الله- سبحانه وتعالى- أرسل إلى نبيه -صلى الله عليه وسلم- ملكا من الملائكة ومعه جبريل  فقال الملك : إن الله يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا وبين أن تكون نبيا ملكا ، فالتفت النبي -صلى الله عليه وسلم- لجبريل  كالمستشير ، فأشار جبريل  بيده أن تواضع ، فقال رسول الله : لا ، بل أكون عبدا نبيا ، فما أكل بعد تلك الليلة طعاما قط متكئا . 
والأحاديث في امتناعه من الأكل متكئا في الصحيح وليس فيها دليل على تحريم ذلك .  [ ص: 410 ] 
واجتنابه -صلى الله عليه وسلم- الشيء واختياره غيره لا يدل على كونه محرما عليه . 
وقد قال  ابن شاهين  في ناسخه : لم يكن محرما عليه ، وإنما هو أدب من الآداب . 
				
						
						
