ذكر رجوع المسلمين إلى المدينة وتلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين لهم  
قال ابن عائذ  رحمه الله تعالى : وقفل المسلمون فمروا في طريقهم بقرية لها حصن كان [أهلها] قتلوا في ذهاب المسلمين رجلا من المسلمين فحاصروهم حتى فتحه الله عليهم عنوة وقتل  خالد  مقاتلتهم . 
وروى إسحاق  عن  عروة  قال : لما أقبل أصحاب مؤتة  تلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه . قال : وجعل الناس يحثون على الجيش التراب ويقولون : يا .  [ ص: 156 ] 
فرار فررتم في سبيل الله . قال : فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله تعالى»  . 
وروى الإمام  أحمد ،   وأبو داود  ،  وابن ماجه  عن  عبد الله بن عمر  رضي الله تعالى عنهما قال : «كنت في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاص الناس وكنت فيمن حاص . 
وفي رواية : فلما لقينا العدو في أول غادية فأردنا أن نركب البحر فقلنا كيف نصنع وقد فررنا من الزحف ؟ 
ثم قلنا لو دخلنا المدينة   [قتلنا] ، فقدمنا المدينة  في نفر ليلا فاختفينا . ثم قلنا لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرنا إليه ، فإن كانت لنا توبة وإلا ذهبنا . فأتيناه قبل صلاة الغداة فخرج فقال : «من القوم ؟ » . قلنا نحن الفرارون ، قال : «بل أنتم الكرارون وأنا فئتكم»  . أو قال : «وأنا فئة كل مسلم»  . قال : فقبلنا يده . 
وروى  ابن إسحاق  عن  أم سلمة   [زوج النبي صلى الله عليه وسلم] رضي الله تعالى عنهما أنها قالت لامرأة سلمة بن هشام بن العاص بن المغيرة :  ما لي لا أرى سلمة  يحضر الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع المسلمين ؟ قالت : والله ما يستطيع أن يخرج كلما خرج صاح به الناس : يا فرار فررتم من سبيل الله ، حتى قعد في بيته فما يخرج ، وكان في غزوة مؤتة .  
وعن  خزيمة بن ثابت  رضي الله تعالى عنه قال : «حضرت مؤتة  وبرز لي رجل منهم فأصبته وعليه بيضة فيها ياقوتة فلم يكن همي إلا الياقوتة فأخذتها . فلما انكشفنا رجعنا إلى المدينة  فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفلنيها ، فبعتها زمن  عثمان  بمائة دينار فاشتريت بها حديقة نخل»  . رواه  البيهقي   . 
قال في البداية : لعل طائفة منهم فروا لما عاينوا كثرة جموع العدو على ما ذكروه مائتي ألف ، وكان المسلمون ثلاثة آلاف ، ومثل هذه يسوغ الفرار ، فلما فر هؤلاء ثبت باقيهم وفتح الله عليهم وتخلصوا من أيدي أولئك وقتلوا منهم مقتلة عظيمة كما ذكره  الزهري   وموسى بن عقبة  والعطاف بن خالد ،  وابن عائذ ،  وحديث  عوف بن مالك  السابق يقتضي أنهم غنموا منهم وسلبوا من أشرافهم وقتلوا من أمرائهم وقد تقدم فيما رواه  البخاري  أن خالدا  رضي الله تعالى عنه قال : «اندقت في يدي تسعة أسياف إلخ» يقتضي أنهم أثخنوا فيهم قتلا ولو لم يكن كذلك لما قدروا على التخلص منهم وهذا وحده دليل مستقل .  [ ص: 157 ] 
				
						
						
