[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم 
جماع أبواب سراياه وبعوثه وبعض فتوحاته صلى الله عليه وسلم  
الباب الأول في عدد سراياه وبعوثه ومعنى السرية وفيه نوعان 
الأول : قال  ابن إسحاق  رحمه الله تعالى : السرايا والبعوث ثمانيا وثلاثين وذكرها  أبو عمر  رحمه الله تعالى في أول الاستيعاب سبعا وأربعين . وذكرها محمد بن عمر  رحمه الله تعالى ثمانيا وأربعين وأبو الفضل ستا وخمسين . ونقل المسعودي  عن بعضهم أنها ستون . 
وعلى ذلك جرى الحافظ أبو الفضل العراقي  رحمه الله تعالى في ألفية السيرة ، وذكر فيها أن الإمام الحافظ محمد بن نصر  أوصلها إلى السبعين ، وأن الإمام الحافظ أبا عبد الله الحاكم  رحمه الله تعالى قال : إنه ذكر في الإكليل أنها فوق المائة . قال العراقي :  ولم أجد هذا القول لأحد سواه . قال الحافظ  رحمه الله تعالى : لعل  الحاكم  أراد بضم المغازي إليها . 
قلت : عبارة  الحاكم  كما رواها عنه  ابن عساكر  بعد أن روي عن  قتادة  أن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه كانت ثلاثا وأربعين . قال  الحاكم :  هكذا كتبناه . وأظنه أراد السرايا دون الغزوات ، فقد ذكرت في كتاب الإكليل على الترتيب بعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه زيادة على المائة . قال : «وأخبرني الثقة من أصحابنا ببخارى  أنه قرأ في كتاب أبي عبد الله محمد بن نصر  السرايا والبعوث دون الحروب بنفسه نيفا وسبعين» . انتهى . 
قال في البداية : وهذا الذي ذكره  الحاكم  غريب جدا ، وحمله كلام  قتادة  على ما قال ، فيه نظر فقد روى  الإمام أحمد   [عن أزهر بن القاسم الراسبي  عن هشام الدستوائي]  عن  قتادة  أن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه ثلاث وأربعون : أربعة وعشرون بعثا وتسع عشرة غزوة . 
قلت : والذي وقفت عليه من السرايا والبعوث لغير الزكاة يزيد على السبعين كما سيأتي بيان ذلك مفصلا إن شاء الله تعالى .  [ ص: 4 ] 
الثاني : في معنى السرية .  قال  ابن الأثير  في النهاية : «السرية : الطائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو ، وجمعها سرايا ، سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السري النفيس . وقيل سموا بذلك لأنهم ينفذون سرا وخفية ، وليس بالوجه لأن لام السر راء وهذه ياء . انتهى . 
وقال الإمام شهاب الدين أحمد بن علي الشهير بابن خطيب الدهشة  رحمه الله تعالى في كتابه المصباح : «السرية : قطعة من الجيش ، فعيلة بمعنى فاعلة؛ لأنها تسري في خفية ، والجمع سرايا وسريات؛ مثل عطية وعطايا وعطيات» انتهى . 
فقوله : «خفية» أحسن من قول من قال «سرا» لما ذكره  ابن الأثير  من أن لام السر راء وهذه ياء . وقال الحافظ :  السرية : قطعة من الجيش تخرج منه وتعود إليه وهي من مائة إلى خمسمائة ، فما زاد على خمسمائة ، يقال له : منسر؛ بالنون والسين المهملة؛ أي بفتح الميم وكسر السين وبعكسهما . فإن زاد على الثمانمائة سمي جيشا ، وما بينهما يسمى هيضلة ، فإن زاد على أربعة آلاف سمي جحفلا بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة وفتح الفاء ، فإن زاد فجيش جرار ، بفتح الجيم وبراءين مهملتين الأولى مشددة . والخميس؛ أي بلفظ اليوم : الجيش العظيم . وما افترق من السرية يسمى بعثا . فالعشرة فما بعدها حضيرة . والأربعون عصبة ، وإلى ثلاثمائة مقنب بقاف ونون موحدة أي بكسر الميم وسكون القاف وفتح النون . فإن زاد سمي جمرة بجيم مفتوحة وسكون الميم . والكتيبة- بفتح الكاف فتاء مكسورة وتحتية ساكنة فموحدة فتاء تأنيث- ما اجتمع ولم ينتشر ، انتهى . 
وعن  ابن عباس  رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خير الأصحاب أربعة ، وخير السرايا أربعمائة ، وخير الجيوش ، أربعة آلاف ، وما هزم قوم بلغوا اثني عشر ألفا من قلة إذا صدقوا وصبروا»  . رواه  أبو يعلى   وابن حبان   وأبو داود   والترمذي  ، دون قوله «إذا صدقوا وصبروا» .  [ ص: 5 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					