وقال الحسن من دعا لظالم بطول البقاء فقد أحب أن يعصى الله تعالى في أرضه، والظالم الفاسق ينبغي أن يذم ؛ ليغتم ، ولا يمدح ليفرح .
وأما . الممدوح فيضره ; أحدهما أنه يحدث فيه كبرا وإعجابا وهما مهلكان .
قال الحسن رضي الله عنه كان عمر رضي الله عنه جالسا ومعه الدرة والناس حوله ، إذ أقبل الجارود بن المنذر ، فقال رجل هذا سيد ربيعة . فسمعها عمر ومن حوله ، وسمعها الجارود ، فلما دنا منه خفقه بالدرة فقال ما لي ولك يا أمير المؤمنين قال: ما لي ؟ : ولك ؟ أما سمعتها . قال : سمعتها ، فمه ؟ قال : خشيت أن يخالط قلبك منها شيء ، فأحببت أن أطأطئ منك .
الثاني هو أنه إذا أثنى عليه بالخير فرح به وفتر ورضي عن نفسه ، ومن أعجب بنفسه قل تشمره وإنما يتشمر للعمل من يرى نفسه مقصرا فأما إذا انطلقت الألسن ، بالثناء عليه ظن أنه قد أدرك ولهذا قال عليه السلام قطعت عنق صاحبك ، لو سمعها ما أفلح وقال صلى الله عليه وسلم : إذا مدحت أخاك في وجهه ، فكأنما أمررت على حلقه موسى وميضا .
وقال أيضا لمن مدح رجلا : عقرت الرجل ، عقرك الله وقال مطرف ما سمعت قط ثناء ولا مدحة إلا تصاغرت إلى نفسي، وقال زياد بن أبي مسلم: ليس أحد يسمع ثناء عليه أو مدحة إلا تراءى له الشيطان ، ولكن المؤمن يراجع فقال ابن المبارك لقد صدق كلاهما ، أما ما ذكره زياد ، فذلك قلب العوام وأما ما ذكره مطرف فذلك قلب الخواص وقال صلى الله عليه وسلم : لو مشى رجل إلى رجل بسكين مرهف كان خيرا له من أن يثني عليه في وجهه .
وقال عمر رضي الله عنه: المدح هو الذبح، وذلك لأن المذبوح هو الذي يفتر عن العمل والمدح يوجب الفتور، أو لأن المدح يورث العجب والكبر ، وهما مهلكان كالذبح؛ فلذلك شبهه به فإن سلم المدح من هذه الآفات في حق المادح والممدوح لم يكن به بأس، بل ربما كان مندوبا إليه، ولذلك أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصحابة حتى قال: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان العالمين لرجح .
وقال في عمر لو لم أبعث لبعثت يا عمر .
وأي ثناء يزيد على هذا ، ولكنه صلى الله عليه وسلم قال عن صدق وبصيرة ، وكانوا رضي الله عنهم أجل رتبة من أن يورثهم ذلك كبرا وعجبا وفتورا بل مدح الرجل نفسه قبيح ؛ لما فيه من الكبر والتفاخر إذا قال صلى الله عليه وسلم : أنا سيد ولد آدم ولا فخر .
أي : لست أقول هذا تفاخرا كما يقصد الناس بالثناء على أنفسهم ؛ وذلك لأن افتخاره صلى الله عليه وسلم كان بالله وبالقرب ، من الله ، لا بولد آدم وتقدمه عليهم ، كما أن المقبول عند الملك قبولا عظيما إنما يفتخر بقبوله إياه ، وبه يفرح ، لا بتقدمه على بعض رعاياه وبتفصيل هذه الآفات تقدر على الجمع بين ذم المدح وبين الحث عليه ، قال صلى الله عليه وسلم : " وجبت .
"، لما أثنوا على بعض الموتى وقال مجاهد إن لبني آدم جلساء من الملائكة ، فإذا ذكر الرجل المسلم أخاه المسلم بخير قالت الملائكة : ولك بمثله . وإذا ذكره بسوء قالت الملائكة : يا ابن آدم المستور عورتك ، أربع على نفسك ، واحمد الله الذي ستر عورتك فهذه آفات المدح .


