وكذلك الاشتغال بدقائق الجدل والمناظرة من أجل علوم أهل الزمان ويزعمون أنه من أعظم القربات وقد كان من المنكرات .
ومن ذلك التلحين في القرآن والأذان .
ومن ذلك التعسف في النظافة والوسوسة في الطهارة وتقدير الأسباب البعيدة في نجاسة الثياب مع التساهل في حل الأطعمة وتحريمها إلى نظائر ذلك .
ولقد صدق ابن مسعود رضي الله عنه حيث قال : أنتم اليوم في زمان الهوى فيه تابع للعلم ، وسيأتي عليكم زمان يكون العلم فيه تابعا للهوى .
وقد كان أحمد بن حنبل يقول : تركوا العلم وأقبلوا على الغرائب ما أقل العلم فيهم والله المستعان .
وقال مالك بن أنس رحمه الله لم تكن الناس فيما مضى يسألون عن هذه الأمور كما يسأل الناس اليوم ، ولم يكن العلماء يقولون حرام ولا : حلال ولكن أدركتهم يقولون مستحب ومكروه .
ومعناه أنهم كانوا ينظرون في دقائق الكراهة والاستحباب فأما الحرام فكان فحشه ظاهرا وكان هشام بن عروة يقول : لا تسألوهم اليوم عما أحدثوه بأنفسهم فإنهم قد أعدوا له جوابا ، ولكن سلوهم عن السنة فإنهم لا يعرفونها .
وكان أبو سليمان الداراني رحمه الله يقول : لا ينبغي لمن ألهم شيئا من الخير أن يعمل به حتى يسمع به في الأثر فيحمد الله تعالى ، إذا وافق ما في نفسه وإنما قال هذا لأن ما قد أبدع من الآراء قد قرع الأسماع وعلق بالقلوب وربما يشوش صفاء القلب ، فيتخيل بسببه الباطل ، حقا فيحتاط فيه بالاستظهار بشهادة الآثار .
ولهذا لما أحدث مروان المنبر في صلاة العيد عند المصلى قام إليه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه فقال : يا مروان ما هذه البدعة ؟ فقال : إنها ليست ببدعة إنها ، خير مما تعلم إن الناس قد كثروا فأردت أن يبلغهم الصوت ، فقال أبو سعيد : والله لا تأتون بخير مما أعلم أبدا ووالله لا صليت وراءك اليوم وإنما أنكر ذلك عليه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوكأ في خطبة العيد والاستسقاء على قوس أو عصا لا على المنبر وفي الحديث المشهور من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد وفي خبر آخر : من غش أمتي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، قيل : يا رسول الله ، وما غش أمتك ؟ قال : أن يبتدع بدعة يحمل الناس عليها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لله عز وجل ملكا ينادي كل يوم من خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تنله شفاعته


