[ ص: 245 ]  255 - قوله تعالى : 
إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم  
 11471  - أخبرنا محمد بن عبد الأعلى  ، حدثنا  محمد بن ثور  ، عن  معمر  ، عن  محمد بن مسلم بن شهاب الزهري  ، قال : أخبره  عروة بن الزبير  ،  وسعيد بن المسيب  ،  وعلقمة بن وقاص  ،  وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة  ، عن حديث  عائشة  زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله ، وكلهم حدثني بطائفة من حديثها ، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض ، وأثبت له اقتصاصا ، وقد وعيت من كل واحد منهم الحديث الذي حدثني به ، وبعض حديثهم يصدق بعضه بعضا . 
زعموا أن  عائشة  زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه ، قالت  عائشة   : فأقرع بيننا في غزوة غزاها ، فخرج فيها سهمي  ، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما أنزل الحجاب ، فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه ، فسرنا ، حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوه وقفل ، ودنونا من المدينة  ، أذن ليلة بالرحيل ، فمشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل ، فلمست صدري فإذا عقد من جزع أظفار قد انقطع ، فرجعت ، فالتمست عقدي ، فحبسني ابتغاؤه ، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي ، وحملوه على  [ ص: 246 ] بعيري الذي كنت أركبه ، وهم يحسبون أني فيه ، وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلن ولم يغشهن اللحم ، إنما يأكلن العلقتين من الطعام ، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رفعوه ورحلوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا ، فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش ، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب ، فيممت منزلي الذي كنت فيه ، وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون ، فبينا أنا جالسة في منزلي إذ غلبتني عيني ، فنمت حتى أصبحت ، وكان صفوان بن المعطل  من وراء الجيش ، فأدلج ، فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائما ، فأتاني ، فعرفني حين رآني ، وكان يراني قبل أن يضرب علينا الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ، فخمرت وجهي بجلبابي ، والله ما كلمني كلمة ، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حين أناخ راحلته ، فوطئ على يدها فركبتها ، وانطلق يقود بي الراحلة ، حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا مغاولين في نحو الظهيرة ، فهلك من هلك في شأني ، وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن سلول  ، فقدمت المدينة  فاشتكيت شهرا ، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ، ولا أشعر بشيء من ذلك ، وهو  [ ص: 247 ] يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى حين أشتكي ، إنما يدخل علي فيسلم فيقول : " كيف تيكم " ؟ فذلك الذي يريبني ، ولا أشعر بالشر ، حتى خرجت بعد ما نقهت ، فخرجت معي أم مسطح  قبل المناصع  ، وهو متبرزنا ، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل ، وذلك قبل أن تتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز ، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا . 
فانطلقت أنا وأم مسطح - وهي : بنت أبي رهم بن عبد المطلب بن عبد مناف ، وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق  ، وابنها  مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب   - فأقبلت أنا وابنة أبي رهم  قبل بيتي حين فرغنا من شأننا ، فعثرت أم مسطح  في مرطها ، فقالت : تعس  مسطح  ، فقلت لها : بئس ما قلت ، تسبين رجلا قد شهد بدرا ؟ ! 
فقالت : يا هنتاه ، ألم تسمعي ما قال ؟ قلت : وما قال ؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك ، فازددت مرضا إلى مرضي ، فلما رجعت إلى بيتي ، ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ،  [ ص: 248 ] وقال : " كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قال : " نعم " ، وأنا أريد حينئذ أن أتيقن الخبر من عندهما ، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجئت لأبوي ، فقلت لأمي : أي هنتاه ، ما يتحدث الناس ؟ قالت : أي بنية ، هوني عليك ، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها لها ضرائر ، إلا كثرن عليها ، فقلت : سبحان الله ، أوقد تحدث الناس بهذا ، وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : نعم ، فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم ، حتى ظن أبواي أن البكاء سيفلق كبدي ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم  علي بن أبي طالب  وأسامة بن زيد  حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله ، فأما أسامة  فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله ، وبالذي في نفسه لهم من الود ، فقال : يا رسول الله ، أهلك ، ولا نعلم إلا خيرا ، وأما  علي بن أبي طالب  فقال : يا رسول الله ، لم يضيق الله عليك النساء ، والنساء سواها كثير ، وإن تسأل الجارية تصدقك - يعني بريرة   - فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة  ، فقال : " هل رأيت من شيء يريبك من  عائشة  ؟ " قالت بريرة   : والذي بعثك بالحق ، إن رأيت عليها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنها حديثة السن ، تنام عن عجين أهلها ، فتأتي الداجن فتأكله ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا ، فحمد الله وأثنى  [ ص: 249 ] عليه بما هو أهله ، ثم قال : " أما بعد ، فمن يعذرني ممن قد بلغني أذاه في أهلي ؟ " ، يعني عبد الله بن أبي ابن سلول  ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو على المنبر أيضا : " يا معشر المسلمين ، من يعذرني ممن قد بلغني أذاه في أهلي ؟ - يعني عبد الله بن أبي ابن سلول   - فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، وما كان يدخل على أهلي إلا معي " . 
فقام  سعد بن معاذ الأنصاري  فقال : أعذرك منه يا رسول الله ، إن كان من الأوس  ضربنا عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج  أمرتنا ففعلنا أمرك ، فقال  سعد بن عبادة  ، وهو سيد الخزرج ، وكان رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية ، فقال : أي  سعد بن معاذ  ، لعمر الله لا تقتله ، ولا تقدر على قتله ، فقام  أسيد بن حضير ،  وهو ابن عم  سعد بن معاذ  ، فقال  لسعد بن عبادة   : كذبت ، لعمر الله لنقتلنه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين ، فثار الحيان : الأوس  والخزرج  ، حتى هموا أن يقتتلوا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر ، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا ، ثم أتاني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في بيت أبوي ، فبينا هو جالس وأنا أبكي ، فاستأذنت علي امرأة من الأنصار  . وساق الحديث . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					