[ ص: 239 ] الباب السابع عشر : في أحكام الإقطاع 
وإقطاع السلطان مختص بما جاز فيه تصرفه ونفذت فيه أوامره ، ولا يصح فيما تعين فيه مالكه وتميز مستحقه . وهو ضربان : إقطاع تمليك . وإقطاع استغلال . 
فأما إقطاع التمليك فتنقسم فيه الأرض المقطعة ثلاثة أقسام    : موات وعامر ومعادن ، فأما الموات فعلى ضربين : أحدهما ما لم يزل مواتا على قديم الدهر فلم تجز فيه عمارة ولا يثبت عليه ملك فهذا الذي يجوز للسلطان أن يقطعه من يحييه ومن يعمره ، ويكون الإقطاع على مذهب  أبي حنيفة  شرطا في جواز الإحياء لأنه يمنع من إحياء الموات إلا بإذن الإمام ، وعلى مذهب  الشافعي  أن الإقطاع يجعله أحق بإحيائه من غيره ، وإن لم يكن شرطا في جوازه ; لأنه يجوز إحياء الموات بغير إذن الإمام ، وعلى كلا المذهبين يكون المقطع أحق بإحيائه من غيره . 
{ قد أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم  الزبير بن العوام  ركض فرسه من موات النقيع فأجراه ثم رمى بسوطه رغبة في الزيادة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعطوه منتهى سوطه   } . 
والضرب الثاني من الموات ما كان عامرا فخرب فصار مواتا عاطلا  وذلك ضربان : أحدهما ما كان جاهليا كأرض عاد  وثمود  فهي كالموات الذي لم يثبت فيه عمارة ، ويجوز إقطاعه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { عادي الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم مني   } .  [ ص: 240 ] يعني أرض عاد    . 
والضرب الثاني : ما كان إسلاميا جرى عليه ملك المسلمين ثم خرب حتى صار مواتا عاطلا ، فقد اختلف الفقهاء في حكم إحيائه على ثلاثة أقوال : فذهب  الشافعي  فيه إلى أنه لا يملك بالإحياء سواء عرف أربابه أو لم يعرفوا : وقال  مالك    : يملك بالإحياء سواء عرف أربابه أو لم يعرفوا . وقال  أبو حنيفة  رحمه الله : إن عرف أربابه لم يملك بالإحياء ، وإن لم يعرفوا ملك بالإحياء . 
وإن لم يجز على مذهبه أن يملك بالإحياء من غير إقطاع ، فإن عرف أربابه لم يجز إقطاعه وكانوا أحق ببيعه وإحيائه ، وإن لم يعرفوا جاز إقطاعه وكان الإقطاع شرطا في جواز إحيائه ، فإذا صار الموات على ما شرحناه إقطاعا ، فمن خصه الإمام به وصار بالإقطاع أحق الناس به لم يستقر ملكه عليه قبل الإحياء فإن شرع في إحيائه صار بكمال الإحياء مالكا له ، وإن أمسك عن إحيائه كان أحق به يدا ، وإن لم يصر ملكا ثم روعي إمساكه عن إحيائه ، فإن كان لعذر ظاهر لم يعترض عليه فيه ، وأقر في يده إلى زوال عذره ، وإن كان غير معذور قال  أبو حنيفة    : لا يعارض فيه قبل مضي ثلاث سنين ، فإن أحياه فيها ، وإلا بطل حكم إقطاعه بعدها احتجاجا بأن  عمر  رضي الله عنه جعل أجل الإقطاع ثلاث سنين . وعلى مذهب  الشافعي  أن تأجيله لا يلزم وإنما المعتبر فيه القدرة على إحيائه ، فإذا مضى عليه زمان يقدر على إحيائه فيه قيل له إما تحييه فيقر في يدك وإما أن ترفع يدك عنه ليعود إلى حاله قبل إقطاعه . 
وأما تأجيل  عمر  رضي الله عنه فهو قضية في عين يجوز أن يكون لسبب اقتضاه أو لاستحسان رآه . 
فلو تغلب على هذا الموات المستقطع متغلب فأحياه  فقد اختلف العلماء في حكمه على ثلاث مذاهب : مذهب  الشافعي  أن محييه أحق به من مستقطعه . وقال  أبو حنيفة  إن أحياه قبل ثلاث سنين كان ملكا للمقطع ، وإن أحياه بعدها كان ملكا للمحيي . وقال  مالك  إن أحياه عالما بالإقطاع كان ملكا للمقطع ، وإن أحياه غير عالم بالإقطاع خير المقطع بين أخذه وإعطاء المحيي نفقة عمارته ، وبين تركه للمحيي والرجوع عليه بقيمة الموات قبل إحيائه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					