الثالث قال  القاضي أبو الطيب    : تخصيص العام بدليل الخطاب  واجب إلا أن يمنع منه دليل من المفهوم ، فيسقط حينئذ المفهوم ، ويبقى العام على عمومه مثاله : نهيه عن بيع ما لم يقبض ، مع قوله : { من ابتاع طعاما فلا يبيعه حتى يستوفيه   } فإنا لم نقل بالمفهوم ، وخصصنا به العام ، كما فعل  مالك  حيث قصر العموم على الطعام ، لأن معنا دليلا أقوى من المفهوم ، وهو التنبيه ، لأن الطعام إذا لم يجز بيعه قبل القبض مع حاجة الناس إليه ، فلأن لا يجوز غيره أولى ; ولأن القياس يقدم على المفهوم ، والقياس يدل على أن غير الطعام بمنزلته ; لأنه إنما لم يجز بيع الطعام لأنه لم يحصل فيه القبض المستحق بالعقد ، هذا المعنى موجود في غير الطعام . 
على أن بعضهم أجاب عن هذا بأنه من باب مفهوم اللقب ; لأن الطعام اسم ، وتعلق الحكم بالاسم لا يخصص ما عداه . قال القاضي  وهذا غلط ، لأن ذلك في الاسم اللقب أما الاسم المشتق ، فإنه يجري مجرى الصفة ، كالفاسق والنائم . 
واعترض أصحاب  أبي حنيفة  على هذا . وقالوا : ترك  الشافعي  أصله  [ ص: 512 ] في قوله صلى الله عليه وسلم : { إذا اختلف المتبايعان ، والسلعة قائمة ، فالقول قول البائع ، والمبتاع بالخيار   } وكان يجب أن يقضي بمفهومه على عموم قوله : { إذا اختلف المتبايعان ، فالقول قول البائع   } . 
والجواب ما ذكرناه ، وهو أن التنبيه مقدم على المفهوم ، لأنه متفق عليه . ووجه التنبيه أنه إذا أمر بالتحالف ، وهناك سلعة قائمة يمكن أن يستدل بها على صدق أحدهما ، فإذا كانت تالفة لا يمكن أن يستدل بها ، فهذه أولى بذلك ، ولأن القياس يوجب ترك دليل الخطاب للأمر بالتحالف ، وكل منهما مدع ، ومدعى عليه . وهذا المعنى موجود مع التلف ، والقياس يترك له المفهوم ، لأنه يجري مجرى التخصيص . لأنه إسقاط بعض حكم اللفظ ، فإن اللفظ يوجب إثباتا ونفيا ، فإسقاط أحدهما بالقياس يمكن له التخصيص به . 
				
						
						
