[ دلالة المطابقة والتضمن والالتزام    ] 
والأول : أعني اللفظية تنقسم إلى عقلية كدلالة الصوت على حياة صاحبه ، وطبيعية كدلالة " أح " على وجع في الصدر ، ووضعية وتنحصر في ثلاثة : المطابقة والتضمن والالتزام ، لأن اللفظ إما أن يدل على تمام ما وضع له أولا . 
والأول : المطابقة كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق ، والثاني إما أن يكون جزء مسماه أو لا والأول دلالة التضمن كدلالة الإنسان على الحيوان وحده أو الناطق وحده ، وكدلالة النوع على الجنس ، والثاني : أن يكون خارجا عن مسماه وهي دلالة الالتزام له كدلالته على الكاتب أو الضاحك ، ودلالة الفصل على الجنس ، وبهذا التقسيم تعرف حد كل واحد منها  [ ص: 270 ] 
وقد اجتمعت الدلالة في لفظ العشرة ، فإنها تدل على كمال الأفراد مطابقة على الخمسة تضمنا وعلى الزوجية التزاما . 
والدليل على الحصر : أن المعنى من دلالة اللفظ على المعنى عند سماعه إما وحده كما في المطابقة ، وإما مع القرينة كما في التضمن والالتزام ، فلو فهم منه معنى عند سماعه ليس هو موضوعه ، ولا جزء موضوعه ، ولا لازمه لزم ترجيح أحد الجائزين على الآخر من غير مرجح ، لأن نسبة ذلك اللفظ إلى ذلك المعنى كنسبته إلى سائر المعاني ، ففهمه دون سائر المعاني ترجيح من غير مرجح . 
وهنا تنبيهات [ التنبيه الأول ] 
أن الإمام فخر الدين  قيد دلالة التضمن والالتزام بقوله : " من حيث هو كذلك " واحترز به عن دلالة اللفظ على الجزء أو اللازم بطريق المطابقة إذا كان اللفظ مشتركا بين الكل والجزء أو بين الكل واللازم ، ويمثلونه بلفظ الإمكان ، فإنه موضوع للإمكان العام والخاص ، والعام جزء الخاص كما تقرر في المنطق من أن الممكن العام في مقابلة الممتنع ، فلذلك يطلق على الواجب وعلى ما ليس بممتنع ولا واجب الذي هو الممكن الخاص ، فهو حينئذ موضوع للكل والجزء . 
قال بعض الفضلاء : وفي النفس من هذا التمثيل شيء فلعله ما وضع لذلك ، بل مجموع قولنا : إمكان عام لا أحدهما ، ومجموع قولنا : إمكان خاص لا قولنا إمكان فقط ، فلا اشتراك حينئذ . 
قال : وأخذ التمثيل بأحسن  [ ص: 271 ] من ذلك بلفظ الحرف ، فإنه موضوع لكل حروف المعاني ولجزئه ، فإن " ليت " مثلا حرف ، ولكل واحد من اللام والياء التاء يقال له : حرف فهذا هو اللفظ المشترك بين المسمى وجزئه ، وأما المشترك بين اللفظ ولازمه فهو عسر . مع إمكانه . انتهى . ويمكن أن يمثل له بلفظ " مفعل " فإن أهل اللغة نقلوا أنه اسم للزمان والمكان والمصدر ، وهي متلازمة عادة فيكون اللفظ موضوعا للشيء ولازمه ، إذ لا فعل إلا في زمان أو مكان عادة ، ومثله الصفي الهندي    " بفعيل " المشترك بين الفاعل والمفعول ، كالرحيم فإنه يكون بمعنى المرحوم كما يكون بمعنى الراحم نص عليه  الجوهري  ، هو إذا دل على أحدهما بطريق المطابقة دل على الآخر بطريق الالتزام ، لكونه لازما له ، وهو أيضا تمام مسماه ، فلو لم يقل من حيث هو كذلك لزم أن تكون دلالة الالتزام دلالة المطابقة ، فلم يكن التعريف مانعا . 
إذا عرف هذا فقد أورد على القيد الذي ذكره الإمام  أنه يجب أن يعتبره أيضا في المطابقة احترازا عن دلالة اللفظ المشترك بين الكل والجزء ، وبين الكل واللازم على الجزء أو اللازم بطريق التضمن أو الالتزام ، فإن كل واحدة من هاتين الدلالتين حينئذ دلالة على تمام المسمى ، وليست مطابقة . 
وقال الصفي الهندي    : إنما لم يذكره فيها ، لأن دلالة التضمن والالتزام لا يمكن معرفتهما إلا بعد معرفة المطابقة ، لكونهما تابعين لها ، فلو جعل القيد المذكور جزءا من معرفة المطابقة للاحتراز عنها لزم أن يكونا معلومين قبل المطابقة ، فيلزم أن يكون الشيء معلوما قبل كونه معلوما ، وهو محال . قال : ولا يخفى عليك ما فيه . 
وبعضهم حذف القيد المذكور في الثلاث اعتبارا بقرينة ذكر التمام والجزء  [ ص: 272 ] 
واللازم ، وصاحب " التحصيل " ذكره في الثلاث . 
قال القرافي    : وهو قيد لم يذكره أحد ممن تقدم الإمام  ، وإنما اكتفى المتقدمون بقرينة التمامية والجزئية واللازمية ، فيقال للإمام    : إن كانت هذه القرائن كافية فلا حاجة إلى القيد ، وإلا فيلزم الاحتياج إليه في الثلاث ، فما وجه تخصيص التضمن والالتزام ؟ فإنا نقول في المطابقة : كما يمكن وضع العشرة للخمسة ، يمكن وضعها للخمسة عشر ، فيصير له على جميع ذلك دلالتان مطابقة باعتبار الوضع الأول ، وتضمن باعتبار الثاني . 
انتهى . 
ويمكن أن يرد ما اعترض به على الإمام  ، فإنه يرى أن لا يمكن أن يدل اللفظ الواحد على المعنى الواحد بالمطابقة مع التضمن أو الالتزام ، لأن دلالته على المعنى بالمطابقة بالذات وبهما بالواسطة ومن المحال اجتماع دلالتي الذات والواسطة ، وإذا لم يجتمعا كان اللفظ في حال الاشتراك بين الكل والجزء دلالة واحدة ، وهي المطابقة ، لأنها أقوى فتدفع الأضعف . وإذا صحت لك هذه القاعدة صح ما قاله ، ولم يحتج أن يذكر القيد بالحيثية في دلالة المطابقة ، لأنه في صورة الاشتراك بين الكل والجزء ، وليس للفظ إلا دلالة المطابقة فقط لا التضمن والالتزام ، فلم يحتج أن يحترز عنه بقوله : من حيث هو كذلك . 
وأما في دلالة التضمن والالتزام فاحتاج إلى ذكر الحيثية ، وإلا كان يلزمه أن دلالة المطابقة على الجزء دلالة التضمن والالتزام في صورة المشترك بين الكل والجزء . 
وبيانه : أن اللفظ إذ دل بالمطابقة على الجزء في تلك الصورة فقد دل على جزء المسمى دلالة التضمن فدلالة المطابقة ، دلالة التضمن هذا خلف ، ولا يلزم هذا على إطلاق دلالة المطابقة .  [ ص: 273 ] وللبحث فيه محال ، فقد نازع بعضهم الإمام  في هذا التقييد ، وقال : اللفظ إذا أطلق على الجملة فإن التضمن للجزء ثابت عند مراد المطلق المعنى المركب من ذلك الجزء وغيره ، فإن مدلول اللفظ هو جملة مشتملة على أجزاء كل واحد منها إنما فهم ضمنا وتبعا للجملة ، وإن كان للمستعمل أن يطلق ذلك اللفظ أيضا على الجزء ، ولكن عند دلالته بهذا الإطلاق على ذلك الجزء لا يكون جزءا من أجزاء ذلك المعنى ، بل مستقلا ، ونحن لا نريد بدلالة التضمن إلا أن يفهم الجزء تضمنا ، ويكون جزءا من أجزاء ذلك المعنى ، ولا تكون الدلالة لفظية لكن تبعية ، فإذا استقلت خرجت عن كونها تضمنا ، ولم يبق جزء من أجزاء ذلك المعنى ، وحينئذ فالقيد المذكور غير محتاج إليه . 
				
						
						
