أما الترجيح بالإسناد فله اعتبارات أولها : بكثرة الرواة    . فيرجح ما رواته أكثر على ما رواته أقل بخلافه ، كاحتجاج الحنفية على عدم الرفع في الركوع ، بحديث إبراهيم  ، عن علقمة  ، عن  ابن مسعود  ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام ، ثم لا يعود   } فيقول : قد روى الرفع ثلاثة وأربعون صحابيا ، وكثير منها في الصحيحين . وكرواية التغليس بالصبح على رواية الإسفار . هذا مذهب الأكثرين ، وهو الصحيح عندنا ونص عليه  الشافعي  في الرسالة " وقال : الأخذ بحديث  عبادة بن الصامت  في الربا أولى من حديث  أسامة    : { إنما الربا في النسيئة   } لأنه رواه مع  عبادة   عمر  وعثمان   وأبو سعيد   وأبو هريرة  ، ورواية خمسة أولى من رواية واحد . 
وقرره الصيرفي  واحتج له بأن الله جعل الزيادة من العدد بالنسبة لشهادة النساء موجبا للتذكر فقال : { أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى    } وكذلك جنس الرجال كلما كثر العدد قوي الحفظ ، ونقله ابن القطان  عن الجديد ، قال : وأشار إلى الفرق  [ ص: 169 ] بأن الشهود منصوص على عدالتهم فكفينا مئونة الاجتهاد ، والأخبار مبنية على الاجتهاد والاستدلال ، والأولى ترجيح الأكثر ، لأنهم عن الخطأ أبعد ، قال : وذهب في القديم إلى أنهما سواء وشبه بالشهادات . 
قلت    : وعكس  ابن كج   وابن فورك  في كتابيهما هذا النقل فقالا : قال  الشافعي    - رحمه الله تعالى - في القديم : يرجح الخبر الذي هو أكثر رواة ، لأن المصير إلى الأخبار إنما هو من طريق علم الظاهر ، ويحتمل الغلط والكثرة تدفع الغلط . وقال في الجديد : إنهما سواء ، وعول في ذلك على أنهما قد استويا جميعا في لزوم الحجة عند الانفراد . 
فإذا اجتمعا فقد استويا ويطلب دلالة سواهما ، وبالقياس على الشهادة ، انتهى . وقال سليم    : أومأ  الشافعي  إلى أنهما سواء في موضع آخر ، وحيث قلنا    : يرجح بالكثرة فقال القاضي    : لا أراه قطعيا ، وقال إمام الحرمين    : إن لم يمكن الرجوع إلى دليل آخر قطع باتباع الأكثر فإنه أولى من الإلغاء ، ولأنا نعلم أن الصحابة لو تعارض لهم خبران بهذه الصفة لم يعطلوا الواقعة ، بل كانوا يقدمون هذا . قال : وأما إذا كان في المسألة قياس وخبران متعارضان كثرت رواة أحدهما  فالمسألة ظنية ، والاعتماد على ما يؤدي إليه اجتهاد الناظر . وفي المسألة رأي رابع صار إليه القاضي  ، والغزالي    : أن الاعتماد على ما غلب على ظن المجتهد ، فرب عدل أقوى في النفس من عدلين ، لشدة تيقظه وضبطه . فلما كثر العدد ولم يقو الظن بصدقهم كان خبرهم كخبر الواحد سواء . 
وبالجملة ، فالراجح هو الأول . قال ابن دقيق العيد    : بل هو أقوى المرجحات ، فإن الظن يتأكد عن ترادف الروايات . ولهذا يقوى الظن إلى أن يصير العلم به متواترا . . 
				
						
						
