[ ص: 435 ] المسألة الثانية   [ التابعي المجتهد هل يعتبر قوله في إجماع الصحابة ] [ إذا أدرك عصرهم ؟ ]  إذا أدرك التابعي عصر الصحابة وهو من أهل الاجتهاد  دخل معهم فيه ، ولا ينعقد الإجماع إلا به على أصح الوجوه عند  القاضي أبي الطيب  ،  والشيخ أبي إسحاق  ، وابن الصباغ  ، وابن السمعاني  ، وأبي الحسين السهيلي  في كتاب " أدب الجدل " له . قال : لأنهما لم يختلفا إلا في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لا يوجب كون الحق معه . وقال  القاضي عبد الوهاب    : إنه الصحيح ، ونقله صاحب " اللباب " ، والسرخسي  من الحنفية عن أكثر أصحابهم . قال : ولهذا قال  أبو حنيفة  ، لا يثبت إجماع الصحابة في الإشعار    ; لأن  إبراهيم النخعي  كان يكرهه ، وهو ممن أدرك عصر الصحابة ، فلا يثبت إجماعهم بدون قوله ، ولنا أن الصحابة إذ ذاك بعض الأمة ، والعصمة إنما ثبتت لجميعهم . وسئل  ابن عمر  عن فريضة فقال : سلوا  ابن جبير  ، فإنه أعلم بها ، وكان  أنس  يسأل فيقول : سلوا مولانا الحسن  ، فإنه سمع وسمعنا ، وحفظ ونسينا ، وسئل  ابن عباس  عن ذبح الولد فأشار إلى  مسروق  ، فلما بلغه جوابه تابعه عليه . والوجه الثاني : أنه لا يعتد بخلافه ، واختاره ابن برهان  في الوجيز " ، ونقله في " الأوسط " عن  إسماعيل ابن علية  ونفاة القياس ، وحكاه الباجي  عن ابن خويز منداد    .  [ ص: 436 ] 
والوجه الثالث : التفصيل بين أن يكون من أهل الاجتهاد وقت حدوث تلك النازلة فيعتد بخلافه ، وإلا فلا ، واختاره القاضي  في " التقريب " ، والروياني  في البحر " ،  والقاضي عبد الوهاب  ،  والصيرفي  في " الدلائل " ، وسليم  في " التقريب " . قال : ومن أصحابنا من رتب المسألة فقال : إن بلغ التابعي رتبة الاجتهاد في عصر الصحابة ، ثم وقعت حادثة ، فأجمعوا ، وخالفهم  ، اعتد بخلافه ، وإن أجمعوا على قول ثم أدركهم ، وخالفهم ، فمن لم يعتبر انقراض العصر لم يعتد بخلافه ، ومن اعتبر انقراضه ففي الاعتداد به وجهان . ا هـ . وصور الروياني  في البحر " المسألة بالمعاصر المجتهد ، فقال : يعتبر وفاقه في حجة الإجماع ، ومن أصحابنا من لم يعتبره ، وهو غلط ; لأنه من أهل الاجتهاد عند الحادثة ، فاعتبر وفاقه كالواحد من الصحابة . قال : فأما من عاصرهم وهو صبي لم يبلغ رتبة الاجتهاد ، ثم بلغها وخالفهم ، فهل يعد خلافه خلافا ؟  والمذهب أنه لا يعد ; لأنه لم يكن من أهل الاجتهاد ، فهو كالمعدوم . وقال القفال    : فيه وجهان : أحدهما : هذا . والثاني : يعد خلافا لقصة  ابن عباس  في العول . ا هـ . والذي رأيته في كتاب  القفال الشاشي  ما نصه : ومتى أجمعت الصحابة على شيء ثم حدث في عصرهم من بلغ مبلغ الاستدلال  ، لم يكن له مخالفة  [ ص: 437 ] إجماعهم ، فإن حدثت حادثة في الوقت الذي قد جاء فيه التابعي مستدلا فأجمعت الصحابة استنباطا ، ورأى خلافه ، فقد قيل : إنه خلاف ، وفيه نظر ، هذا كلامه . وحكى في " القواطع " الوجهين ، ثم قال : هذا إذا بلغ التابعي فأما إذا تقدم الإجماع على قول التابعي فإنه يكون التابعي محجوجا بذلك قطعا ، وقد اعتبر ذلك من شرط انقراض العصر ، وقد قلنا : إن هذا الاعتبار يؤدي إلى أنه لا ينعقد إجماع . ا هـ . وكلام الآمدي  يقتضي طرد الخلاف مطلقا ، فإنه قال : القائلون بأنه لا ينعقد إجماعهم دونه اختلفوا ، فمن لم يشترط انقراض العصر ، قال : إن كان من أهل الاجتهاد قبل إجماع الصحابة ، لم ينعقد إجماعهم مع مخالفته ، وإن بلغ الاجتهاد بعد انعقاد إجماعهم لم يعتد بخلافه . 
قاله : وهذا مذهب  الشافعي  ، وأكثر المتكلمين  ، وأصحاب  أبي حنيفة  ، وهي رواية عن  أحمد  ، ومن شرط انقراض العصر ، قال : لا ينعقد إجماع الصحابة مع مخالفته ، سواء كان مجتهدا حال إجماعهم أو صار مجتهدا بعد ذلك في عصرهم ، وذهب قوم إلى أنه لا عبرة بمخالفته أصلا ، وهو مذهب بعض المتكلمين   وأحمد بن حنبل  في الرواية الأخرى . قال : والمختار إن كان من أهل الاجتهاد حال إجماع الصحابة لم ينعقد إجماعهم مع مخالفته . انتهى . وتحصل أن اللاحق إما أن يتأهل قبل الانقراض أو بعده ، وعلى الأول فإما أن يوافق أو يخالف أو يسكت ، والقائل بعدم  [ ص: 438 ] اعتباره لا يجعل لذلك أثرا ، والقائل به اثنان : قائل إنه لا يعتبر وفاقه ، بل يعتبر عدم خلافه . وقائل يعتبرهما . تنبيهان . الأول : الكلام في هذه المسألة لا يتصور إلا مع القائلين بأن خلاف الأقل يندفع به إجماع الأكثر ، فلهذا ذكرت . الثاني : لا يختص هذا بالتابعي مع الصحابة ، بل إذا اجتمع أهل العصر على حكم ، فنشأ قوم مجتهدون قبل انقراضهم ، فخالفوهم ، وقلنا : انقراض العصر شرط ، فهل يرتفع الإجماع ؟  على مذهبين ، وإن قلنا : لا يعتبر الانقراض فلا . 
				
						
						
