[ ص: 606 ]   ( فصل الاجتهاد يتجزأ    ) عند أصحابنا والأكثر ، إذ لو لم يتجزأ لزم أن يكون المجتهد عالما بجميع الجزئيات ، وهو محال إذ جميعها لا يحيط به بشر ، ولا يلزم من العلم بجميع المآخذ : العلم بجميع الأحكام ; لأن بعض الأحكام قد يجهل بتعارض الأدلة فيه ، أو بالعجز عن المبالغة في النظر ، إما لمانع من تشويش فكر ، أو غيره وقيل : لا يتجزأ وقيل : يتجزأ في باب لا في مسألة وقيل : في الفرائض لا في غيرها ( ويجوز اجتهاده صلى الله عليه وسلم في أمر الدنيا  ، ووقع ) قال ابن مفلح  إجماعا ( و ) يجوز اجتهاده أيضا ( في أمر الشرع عقلا وشرعا )  عند أصحابنا والأكثر ، وعزاه الواحدي  إلى سائر الأنبياء ، قال : ولا حجة للمانع في قوله تعالى { إن أتبع إلا ما يوحى إلي    } فإن القياس على المنصوص بالوحي : اتباع للوحي ، ومنعه الأكثر من الأشعرية  والمعتزلة  ، وقال  القاضي    : إنه ظاهر كلام  أحمد  في رواية ابنه  عبد الله    ( ووقع ) على الصحيح عند أكثر أصحابنا . 
قال  القاضي    : أومأ إليه  أحمد  قال  ابن بطة    : وذكر عن  أحمد  نحوه ، واختاره الآمدي   وابن الحاجب  وهو مقتضى كلام الرازي  وأتباعه في الاستدلال بالوقائع وغيرهم . وقيل : لم يقع . وقيل : بالوقف ، لتعارض الأدلة . واستدل للصحيح - الذي هو الجواز والوقوع - بأنه لا يلزم منه محال ، وبأن الأصل مشاركته لأمته ، وبظاهر قوله تعالى { فاعتبروا يا أولي الأبصار    } وقوله تعالى { وشاورهم في الأمر    } وطريق المشاورة : الاجتهاد ، وفي صحيح  مسلم    { أنه استشار في أسرى بدر فأشار أبو بكر   بالفداء  وعمر  بالقتل ، فجاء  عمر  من الغد ، وهما يبكيان ، وقال صلى الله عليه وسلم : أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء   } وأنزل الله سبحانه وتعالى { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض    } وأيضا { عفا الله عنك لم أذنت لهم    } قال في الفنون : هو من أعظم دليل الرسالة ، إذ لو كان من عنده لستر على نفسه ، أو صوبه لمصلحة يدعيها ، وفي الصحيحين { لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي   } وإنما يكون ذلك فيما لم  [ ص: 607 ] يوح إليه بشيء فيه ، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن ينزل ببدر دون الماء ، قال له الحباب بن المنذر    " إن كان هذا بوحي فنعم ، وإن كان الرأي والمكيدة ، فانزل بالناس على الماء لتحول بينه وبين العدو فقال : ليس بوحي ، إنما هو رأي واجتهاد رأيته ، ورجع إلى قوله " وكذا إلى قول  سعد بن معاذ  ،  وسعد بن عبادة  لما أراد صلح الأحزاب على شطر نخل المدينة  ، وقد كتب بعض الكتاب بذلك ، وقالا له " إن كان بوحي : فسمعا وطاعة ، وإن كان باجتهاد : فليس هذا هو الرأي " واستدل أيضا بغير ما ذكر ، فدل ذلك كله على أنه متعبد بالاجتهاد . 
( و ) على القول بجواز اجتهاده صلى الله عليه وسلم ووقوعه منه ( لا يقر على خطإ ) إجماعا ، وهذا يدل على جواز الخطإ ، إلا أنه لا يقر عليه ، واختار هذا  ابن الحاجب  والآمدي  ، ونقله عن أكثر أصحاب  الشافعي  والحنابلة . وأصحاب الحديث ، ومنع قوم جواز الخطإ عليه ، لعصمة منصب النبوة عن الخطإ في الاجتهاد . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					