( وهي ) أي وأقسام السنة كلها ( حجة )  أي تصلح أن يحتج بها على ثبوت الأحكام الشرعية ( للعصمة ) أي لثبوت العصمة للنبي صلى الله عليه وسلم ولسائر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ( التي هي ) أي العصمة ( سلب القدرة )  [ ص: 213 ] أي سلب قدرة المعصوم ( على المعصية ) فلا يمكنه فعلها ; لأن الله سبحانه وتعالى سلب قدرته عليها . وقيل : إن العصمة صرف دواعي المعصية عن المعصية بما يلهم الله المعصوم من ترغيب وترهيب . وقال التلمساني  عن الأشعرية    : إن العصمة تهيؤ العبد للموافقة مطلقا . وذلك راجع إلى خلق القدرة على كل طاعة . فإذا العصمة توفيق عام . وقالت المعتزلة    : العصمة خلق ألطاف تقرب إلى الطاعة . ولم يردوها إلى القدرة لأن القدرة عندهم على الشيء صالحة لضده . قال القاضي  أبو بكر الباقلاني    : لا تطلق العصمة في غير الأنبياء والملائكة إلا بقرينة إرادة معناها اللغوي ، وهو السلامة من الشيء . ولهذا قال  الشافعي  رضي الله تعالى عنه في الرسالة " وأسأله العصمة " وجرى على ذلك كثير من العلماء . والحاصل : أن السلامة أعم من وجوب السلامة . فقد توجد السلامة في غير النبي والملك اتفاقا لا وجوبا . قاله البرماوي  ، وقال أبو محمد الجوزي  في كتابه الإيضاح في الجدل : العصمة حفظ المحل بالتأثيم والتضمين ( ولا يمتنع عقلا ) أي في تصور العقل ( معصية ) أي صدور معصية من النبيين ( قبل البعثة ) فامتناعها عقلا قبل البعثة مبني على التقبيح العقلي . فمن أثبته - كالروافض    - منعها للتنفير فتنافي الحكمة . وقالته المعتزلة    : في الكبائر . ومن نفى التقبيح العقلي لم يمنعها ( و ) كل نبي مرسل فهو ( معصوم بعدها ) أي بعد البعثة ( من تعمد ما يخل بصدقه فيما دلت المعجزة على صدقه ) فيه ( من رسالة وتبليغ ) إجماعا . حكاه الآمدي  وغيره . فالإجماع منعقد على عصمتهم من تعمد الكذب في الأحكام وما يتعلق بها ; لأن المعجزة قد دلت على صدقهم فيها . 
فلو جاز كذبهم فيها لبطلت دلالة المعجزة ( ولا يقع ) ما يخل بصدقه لا ( غلطا و ) لا ( سهوا ) عند الأكثر . قال القاضي عضد الدين    : وأما الكذب غلطا . فجوزه القاضي - يعني  الباقلاني    - ومنعه الباقون ، لما مر من دلالة المعجزة على الصدق . 
وقال ابن مفلح  في أصوله : وللعلماء في جوازه غلطا ونسيانا قولان . بناء على أن المعجزة هل دلت على صدقه فيها ؟ واختلف فيه كلام  ابن عقيل  انتهى . وحاصله :  [ ص: 214 ] أن دلالة المعجزة : هل دلت على صدقهم مطلقا في العمد والسهو ، أو ما دلت إلا على ما صدر عنهم عمدا ؟ وتأول من منع الوقوع الأحاديث الواردة في سهو النبي صلى الله عليه وسلم بأنه قصد بذلك التشريع . كما في حديث { ولكن أنسى   } بالبناء للمفعول . ومنهم من تأول هذا بأنه تعمد ذلك ليقع النسيان فيه بالفعل ، وهو خطأ ، لتصريحه صلى الله عليه وسلم بالنسيان في قوله { إنما أنا بشر ، أنسى كما تنسون . فإذا نسيت فذكروني   } ولأن الأفعال العمدية تبطل الصلاة . والبيان كاف بالقول . فلا ضرورة إلى الفعل . وذكر  القاضي عياض  وغيره الخلاف في الأفعال ، وأنه لا يجوز في الأقوال البلاغية إجماعا . ومعناه  لابن عقيل  ، في الإرشاد . فإنه قال : الأنبياء لم يعصموا من الأفعال في نفس الأداء . فلا يجوز عليهم الكذب في الأقوال فيما يؤدونه عن الله تعالى ، ولا فيما شرعه من الأحكام عمدا ولا سهوا ولا نسيانا . ومن قال بالوقوع فإنه يقول : لا يقر عليه إجماعا ( و ) أما ( ما لا يخل ) بصدقه فيما دلت عليه المعجزة ( ف ) هو معصوم فيه ( من ) وقوع ( كبيرة ) إجماعا ، ولا عبرة بخلاف الحشوية  وبعض الخوارج    ( و ) كذا هو معصوم من فعل ( ما يوجب خسة أو إسقاط مروءة عمدا ) قال في شرح التحرير : وقد قطع بعض أصحابنا بأن ما يسقط العدالة لا يجوز عليه . قال ابن مفلح    : ولعله مراد غيره . قلت : بل يتعين أنه مراد غيره . انتهى . 
وأما جواز وقوع ذلك سهوا ففيه قولان : أحدهما : وهو قول القاضي من أصحابنا والأكثر أنه يجوز ذلك واختلف كلام ابن عقيل في ذلك والقول الثاني : وهو المشار إليه بقوله ( وفي وجه سهوا ) أنه لا يجوز ذلك عليه سهوا ، وهو قول ابن أبي موسى  ، وأما جواز وقوع الصغيرة التي لا توجب خسة ولا إسقاط مروءة عمدا أو سهوا . ففيه قولان : أحدهما : جواز وقوع ذلك ، وهو قول  القاضي   وابن عقيل  والأشعرية  ، والمعتزلة  وغيرهم . والقول الثاني : وهو المشار إليه بقوله ( ومن صغيرة مطلقا ) عدم الجواز ، وهو قول ابن أبي موسى  من أصحابنا . وقال : يجوز الهم لا الفعل . ومنع الأستاذ  أبو إسحاق الإسفراييني  وجمع من أصحابنا وغيرهم من الذنب مطلقا ، كبيرا أو صغيرا ، عمدا أو سهوا ، أخل بصدقه أو لا ، وهو اختيار أبي المعالي  في الإرشاد  والقاضي عياض   وأبي بكر    [ و ] ابن مجاهد   وابن فورك    . نقله عنه  ابن حزم  في الملل والنحل ،  وابن حزم   [ ص: 215 ] وابن برهان  في الأوسط . ونقله في الوجيز عن اتفاق المحققين . وحكاه في زوائد الروضة عن المحققين . وقال  القاضي حسين    : هو الصحيح من مذهب أصحابنا ، وهو قول  أبي الفتح الشهرستاني  ، وابن عطية  المفسر ، وشيخ الإسلام البلقيني  ، والسبكي  وولده التاج    . فالعصمة ثابتة له صلى الله عليه وسلم ولسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من كل ذنب كبير أو صغير . عمدا كان أو سهوا في الأحكام وغيرها لأنا أمرنا باتباعهم في أفعالهم وآثارهم وسيرهم على الإطلاق من غير التزام قرينة . 
وسواء في ذلك قبل النبوة وبعدها ، تعاضدت الأخبار بتنزيههم عن النقائص منذ ولدوا ، ونشأتهم على كمال أوصافهم في توحيدهم وإيمانهم عقلا أو شرعا ، على الخلاف في ذلك ، ولا سيما فيما بعد البعثة فيما ينافي المعجزة . قال ابن عطية    : وقوله صلى الله عليه وسلم { إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة   } إنما هو رجوعه من حالة إلى أرفع منها ، لتزايد علومه واطلاعه على أمر الله تعالى . فهو يتوب من المنزلة الأولى إلى الأخرى . والتوبة هنا لغوية . انتهى . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					