[ ص: 572 ] وَ (قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ ، أَوْ : رَجُلُ الْعَشِيرَةِ ") هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ذَمٌّ لِهَذَا الرَّجُلِ فِي حَالِ غِيبَتِهِ لِمَا عَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَالِهِ ، وَأَنَّهُ مِمَّنْ لَا غَيْبَةَ فِيهِ ، وَهُوَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ مَالِكٍ الْفَزَارِيِّ ، أَسْلَمَ بَعْدَ الْفَتْحِ ، وَقِيلَ : قَبْلَهُ ، وَهُوَ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ، وَكَانَ مِنَ الْأَعْرَابِ الْجُفَاةِ . رَوَى nindex.php?page=showalam&ids=13332أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=12354إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ : أَنَّ عُيَيْنَةَ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَيْرِ إِذْنٍ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَأَيْنَ الْإِذْنُ ؟ فَقَالَ : مَا اسْتَأْذَنْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ مُضَرَ ، وَكَانَتْ nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : مَنْ هَذِهِ الْحُمَيْرَاءُ ؟ فَقَالَ : " أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ " . فَقَالَ : أَلَا أَنْزِلُ لَكَ عَنْ أَجْمَلَ مِنْهَا ؟ فَقَالَتْ nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - : مَنْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " هَذَا أَحْمَقُ مُطَاعٌ ، وَهُوَ عَلَى مَا تَرَيِنَّ سَيِّدُ قَوْمِهِ " .

وَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيُّ : كَانَ لِعُيَيْنَةَ ابْنُ أَخٍ مِنْ جُلَسَاءِ nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُقَالُ لَهُ الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ : أَلَا تُدْخِلُنِي عَلَى هَذَا ؟ فَقَالَ : أَخَافُ أَنْ تَتَكَلَّمَ بِمَا لَا يَنْبَغِي ، فَقَالَ : لَا أَفْعَلُ ، فَأَدْخَلَهُ عَلَى nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ : يَا nindex.php?page=showalam&ids=2ابْنَ الْخَطَّابِ ، وَاللَّهِ مَا تَقْسِمُ بِالْعَدْلِ ، وَلَا تُعْطِي الْجَزْلَ ، فَغَضِبَ nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ ، فَقَالَ ابْنُ أَخِيهِ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ : nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=199خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الْأَعْرَافِ: 199] وَإِنَّ هَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ . قَالَ : فَخَلَّى عَنْهُ nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ ، وَكَانَ nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى .

قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=14961الْقَاضِي عِيَاضٌ : وَقَدْ كَانَ مِنْ عُيَيْنَةَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ إِيمَانِهِ ، بَلْ فِيهِ عِلَمٌ مِنْ إِعْلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ بِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ ، وَقَدْ ظَهَرَ ذَلِكَ مِنْهُ ، إِذْ هُوَ مِمَّنِ ارْتَدَّ وَجِيءَ بِهِ أَسِيرًا إِلَى nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا خَتَمَ لَهُ .

[ ص: 573 ] قُلْتُ : وَيَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ : " إِنَّ nindex.php?page=treesubj&link=30437_19089_30484شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ " أَنَّ عُيَيْنَةَ خُتِمَ لَهُ بِخَاتِمَةِ سُوءٍ ، لِأَنَّهُ مِمَّنِ اتَّقَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فُحْشَهُ وَشَرَّهُ ، وَالنَّاسُ . فَهُوَ إِذًا شَرُّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ حَتَّى يَخْتِمَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بِالْكُفْرِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

فَفِي حَدِيثِهِ مِنَ الْفِقْهِ : جَوَازُ nindex.php?page=treesubj&link=19021غِيبَةِ الْمُعْلِنِ بِفِسْقِهِ وَنِفَاقِهِ ، وَالْأَمِيرِ الْجَائِرِ وَالْكَافِرِ ، وَصَاحِبِ الْبِدْعَةِ ، وَجَوَازُ مُدَارَاتِهِمُ اتِّقَاءَ شَرِّهِمْ ، لَكِنْ مَا لَمْ يَؤُدِّ ذَلِكَ إِلَى الْمُدَاهَنَةِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى . وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُدَارَاةِ وَالْمُدَاهَنَةِ ، أَنَّ الْمُدَارَاةَ بَذْلُ الدُّنْيَا لِصَلَاحِ الدُّنْيَا أَوِ الدِّينِ ، وَهِيَ مُبَاحَةٌ وَمُسْتَحْسَنَةٌ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ ، وَالْمُدَاهَنَةُ الْمَذْمُومَةُ الْمُحَرَّمَةُ : هِيَ بَذْلُ الدِّينِ لِصَالِحِ الدُّنْيَا ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا بَذَلَ لَهُ مِنْ دُنْيَاهُ حُسْنَ عِشْرَتِهِ ، وَالرِّفْقَ فِي مُكَالَمَتِهِ ، وَطَلَاقَةَ وَجْهِهِ ، وَلَمْ يَمْدَحْهُ بِقَوْلٍ ، وَلَا رُوعِي فِي ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ . فَعَلَى هَذَا فَلَا يُنَاقِضُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الرَّجُلِ فِعْلَهُ مَعَهُ ، لِأَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ إِخْبَارٌ بِحَقٍّ ، وَمَدَارَاتُهُ لَهُ حُسْنُ عِشْرَةٍ مَعَ الْخَلْقِ ، فَلَا مَدْفَعَ لِأَهْلِ الزَّيْغِ وَالضَّلَالِ ، إِذْ لَا يَبْقَى عَلَى مَا أَوْضَحْنَاهُ إِشْكَالٌ .

وَ (قَوْلُهُ : " مَنْ وَدَعَهُ ، أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ ") هَذَا شَكٌّ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ فِي أَيِّ اللَّفْظَيْنِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ وَدَعَهُ ، فَقَدْ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَصْلِ الْمَرْفُوضِ ، كَمَا قَدْ تَكَلَّمَ بِهِ الشَّاعِرُ الَّذِي هُوَ أَنَسُ بْنُ زَنِيمٍ فِي قَوْلِهِ :

سَلْ أَمِيرِي مَا الَّذِي غَيَّرَهُ عَنْ وِصَالِي الْيَوْمَ حَتَّى وَدَعَهُ

[ ص: 574 ] وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ قَرَأَ : nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=3مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [الضُّحَى: 3] بِتَخْفِيفِ الدَّالِ ، وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِمَصْدَرِ ذَلِكَ الْمَرْفُوضِ حَيْثُ قَالَ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=658440لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهُمُ الْجُمُعَاتِ ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ " ، وَهَذَا كُلُّهُ يَرُدُّ عَلَى مَنْ قَالَ مِنَ النَّحْوِيِّينَ : إِنَّ الْعَرَبَ قَدْ أَمَاتَتْ مَاضِيَ هَذَا الْفِعْلِ وَمَصْدَرَهُ ، وَلَا يُتَكَلَّمُ بِهِ اسْتِغْنَاءً عَنْ ذَلِكَ بِتَرْكِهِ ، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ هَذَا الْقَائِلُ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِهِمْ ، فَقَدْ كَذَّبَهُ النَّقْلُ الصَّحِيحُ ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ وَلَكِنَّهُ قَلِيلٌ ، وَشَاذٌّ فِي الِاسْتِعْمَالِ ، فَهُوَ الصَّحِيحُ .