[ ص: 188 ] ذكر وصف قدوم المصطفى صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة  عند هجرتهم إلى يثرب  
 6281  - أخبرني  الفضل بن الحباب الجمحي  ، حدثنا  عبد الله بن رجاء الغداني  حدثنا  إسرائيل  عن  أبي إسحاق  ، قال : سمعت  البراء  ، يقول : اشترى  أبو بكر  رضي الله عنه من عازب  رحلا بثلاثة عشر درهما ، فقال  أبو بكر  لعازب   : مر  البراء  فليحمله إلى أهلي ، فقال له عازب   : لا حتى تحدثني كيف صنعت أنت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجتما من مكة  ، والمشركون يطلبونكم ؟ فقال : ارتحلنا من مكة  فأحيينا ليلتنا حتى أظهرنا ، وقام قائم الظهيرة ، فرميت ببصري ، هل نرى ظلا نأوي إليه ؟ فإذا أنا بصخرة ، فانتهيت إليها ، فإذا بقية ظلها ، فسويته ، ثم فرشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قلت : اضطجع يا رسول الله ، فاضطجع ، ثم ذهبت أنظر ، هل أرى من الطلب أحدا ، فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه إلى الصخرة ، يريد منها مثل الذي أريد - يعني الظل - فسألته ، فقلت : لمن أنت يا غلام ؟ قال الغلام : لفلان رجل من قريش ، فعرفته ، فقلت : هل في غنمك من لبن ؟ قال : نعم . قلت : هل أنت حالب لي ؟ قال : نعم ، فأمرته ، فاعتقل شاة من غنمه . وأمرته أن ينفض ضرعها من الغبار ،  [ ص: 189 ] ثم أمرته أن ينفض كفيه ، فقال هكذا ، وضرب إحدى يديه على الأخرى ، فحلب لي كثبة من لبن ، وقد رويت معي لرسول الله صلى الله عليه وسلم إداوة على فمها خرقة ، فصببت على اللبن حتى برد أسفله ، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوافقته قد استيقظ ، فقلت : اشرب يا رسول الله ، فشرب ، فقلت : قد آن الرحيل يا رسول الله ، فارتحلنا والقوم يطلبوننا ، فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم  على فرس له ، فقلت : هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله . قال : فبكيت ، فقال : لا تحزن إن الله معنا  فلما دنا منا ، وكان بيننا وبينه قيد رمحين أو ثلاثة ، قلت : هذا الطلب يا رسول الله قد لحقنا ، فبكيت . قال : ما يبكيك ؟ قلت : أما والله ما على نفسي أبكي ، ولكن أبكي عليك ، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : اللهم اكفناه بما شئت . قال : فساخت به فرسه في الأرض إلى بطنها فوثب عنها ، ثم قال : يا محمد  قد علمت أن هذا عملك ، فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه ، فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب ، وهذه كنانتي ، فخذ منها سهما ، فإنك ستمر على إبلي وغنمي في مكان كذا وكذا ، فخذ منها حاجتك ،  [ ص: 190 ] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا حاجة لنا في إبلك ، ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانطلق راجعا إلى أصحابه ، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى أتينا المدينة  ليلا ، فتنازعه القوم أيهم ينزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني أنزل الليلة على بني النجار  أخوال عبد المطلب  ، أكرمهم بذلك ، فخرج الناس حين قدمنا المدينة  في الطرق ، وعلى البيوت من الغلمان والخدم يقولون : جاء محمد  جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أصبح انطلق ، فنزل حيث أمر . 
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى نحو بيت المقدس  ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يوجه نحو الكعبة  ، فأنزل الله جل وعلا : قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام   . قال : وقال السفهاء من الناس وهم اليهود : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها  فأنزل الله جل وعلا : قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم  
قال : وصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل ، فخرج بعدما صلى فمر على قوم من الأنصار  وهم ركوع في صلاة العصر نحو بيت المقدس  ، فقال : هو يشهد أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه قد وجه نحو الكعبة  ، فانحرف القوم حتى توجهوا إلى الكعبة    . 
قال  البراء   : وكان أول من قدم علينا من المهاجرين  مصعب بن  [ ص: 191 ] عمير أخو بني عبد الدار بن قصي  ، فقلنا له : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : هو مكانه وأصحابه على أثري ، ثم أتى بعده عمرو بن أم مكتوم  الأعمى أخو بني فهر  ، فقلنا : ما فعل من وراءك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ؟ قال : هم الآن على أثري ، ثم أتانا بعده  عمار بن ياسر  ،  وسعد بن أبي وقاص  ،  وعبد الله بن مسعود  ،  وبلال  ، ثم أتانا  عمر بن الخطاب  رضي الله عنه في عشرين من أصحابه راكبا ، ثم أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدهم ،  وأبو بكر  معه . 
قال  البراء   : فلم يقدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قرأت سورا من المفصل ، ثم خرجنا نلقى العير ، فوجدناهم قد حذروا  . 
				
						
						
