4849 [ ص: 453 ] ص: فإن قال قائل: فلم لا كان ما فيه الرجم والجلد أولى مما فيه الرجم خاصة.
قيل له: لدلالة قد دلت على نسخ الجلد مع الرجم، وهو أنا رأينا أصل ما كان على الزاني قبل أن يفرق بين حكمه إذا كان محصنا وبين حكمه إذا كان غير محصن ما وصف الله -عز وجل- في كتابه بقوله: واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا فكان هذا هو حد الزانية أن تمسك في البيوت حتى تموت أو يجعل الله لها سبيلا، ثم قال النبي -عليه السلام-: "خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا" فذكر ما قد ذكرناه في حديث عبادة، فكان ذلك هو السبيل الذي قال الله -عز وجل- أو يجعل الله لهن سبيلا فجعل الله ذلك السبيل على ما قد بينه على لسان نبيه -عليه السلام- وفرض في ذلك الجلد والرجم على الثيب، والجلد والنفي على غير الثيب، . فعلمنا أن ذلك القول كان من النبي -عليه السلام- بعد نزول هذه الآية، وأنه لم يتقدم نزول هذه الآية وجوب الرجم على الزاني; لأن حده كان ما وصف الله -عز وجل- في كتابه من الحبس في البيوت، ولم يكن بين قوله: أو يجعل الله لهن سبيلا وبين حديث عبادة - رضي الله عنه - حكم آخر، فعلمنا أن حديث عبادة كان بعد نزول هذه الآية، وأن حديث ماعز ) الذي سأله رسول الله -عليه السلام- فيه عن إحصانه ، لتفرقته بين حد المحصن وغير المحصن، وحديث أبي هريرة 5 وزيد بن خالد الجهني -رضي الله عنهما- أنه فرق رسول الله -عليه السلام- فيه بين حكم البكر والثيب، ، فجعل على البكر جلد مائة وتغريب عام، وعلى الثيب الرجم - متأخرا عنه، فكان ذلك ناسخا له; لأن ما تأخر من حكم رسول الله -عليه السلام- ينسخ ما تقدم منه، فلهذا كان ما ذكرنا من حديث أبي هريرة 5 وزيد بن خالد وحديث ماعز أولى من حديث عبادة، مع ما قد شد ذلك من النظر الصحيح؛ وذلك أنا رأينا [ ص: 454 ] العقوبات المتفق عليها في انتهاك الحرمات كلها إنما هي شيء واحد، من ذلك أنا رأينا أن السارق عليه القطع لا غير، والقاذف عليه الجلد لا غير. فكان النظر على ذلك أن يكون كذلك الزاني عليه شيء واحد لا غير، فيكون عليه الرجم الذي قد اتفق أنه عليه، وينتفي عنه الجلد الذي لم يتفق به عليه. وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد -رحمهم الله-.


