وسبق أن العفو عن القود وغيره  أفضل بلا تفصيل ، وهو عمل الإمام  أحمد  في المحنة وغيرها ، ونقل  حنبل  عنه : ابن أبي داود  وأمثاله لا أحللهم ، ونقل  إبراهيم الحربي  لولا أن ابن أبي داود  داعية لأحللته ، ونقل عبد الله  أنه أحل ابن أبي داود  وعبد الرحمن بن إسحاق  فيما بعد ، ويلزم من نصه هنا أن لا يعفو عن ظالم ، لأنه إذا لم ينصره في ترك الحرام لما هو عليه من الظلم في شيء آخر فهنا أولى ، وذكره  القاضي  وغيره في أحكام القرآن في قوله { والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون    } أنها محمولة على من تعدى وأصر ، وآيات العفو محمولة على أن الجاني نادم ، وظهر أنه يلزم من نصه على العفو عنه نصره على ظالمه ، فالمسألتان على روايتين ، وقد ذكر  ابن عبد البر  في كتاب بهجة المجالس : قال رجل  لابن سيرين    : إني وقعت فيك فاجعلني في حل ، قال : لا أحب أن أحل لك ما حرم الله عليك . 
وقال شيخنا  إن في الآية المذكورة فائدة عظيمة ، وهو  [ ص: 150 ] أنه حمدهم على أنهم ينتصرون عند البغي عليهم ، كما أنهم هم يعفون عند الغضب ، ليسوا مثل الذي ليس له قوة الانتصار وفعله لعجزهم أو كسلهم أو وهنهم أو ذلهم أو حزنهم ، فإن أكثر من يترك الانتصار بالحق  إنما يتركه لهذه الأمور وأشباهها ، وليسوا مثل الذي إذا غضب لا يغفر ولا يعفو ، بل يتعدى أو ينتقم حتى يكف من خارج ، كما عليه أكثر الناس إذا غضبوا وقدروا لا يقفون عند العدل فضلا عن الإحسان ، فحمدهم على أنهم هم ينتصرون وهم يغفرون ، ولهذا قال  إبراهيم النخعي    : كانوا يكرهون أن يستذلوا ، فإذا قدروا عفوا ، إلى أن ذكر الروايتين في دفع الإنسان عن نفسه ثم قال : ويشبه أن لا يجب مفسدة تقاوم مفسدة الترك أو تفضي إلى فساد أكثر ، وعلى هذا تخرج قصة ابن آدم وعثمان  رضي الله عنه ، بخلاف من لم يكن في دفعه إلا إتلاف مال الغير الظالم أو حبسه أو ضربه ، فهنا الوجوب أوجه ، وهذا معنى قوله { هم ينتصرون    } ، فالانتصار قد يكون مستحبا تارة ، وقد يكون واجبا أخرى ، كالمغفرة سواء . 
				
						
						
