فصل وإن باع أو آجر مسلم داره من كافر  ، فنقل المروذي    : لا تباع ، يضرب فيها بالناقوس وينصب فيها الصلبان ؟ واستعظم ذلك وشدد فيه ، ونقل أبو الحارث    : لا أرى ذلك ، يبيعها من مسلم أحب إلي ، وقيل له في رواية  إبراهيم بن الحارث  عن إجارتها من ذمي يعلم أنه يشرب فيها الخمر ويشرك فيها ، فقال : كان  ابن عون  لا يكري إلا من أهل الذمة  ، يقول : نرغبهم ، قيل له : كأنه أراد إذلال أهل الذمة  بهذا قال : لا ، ولكنه أراد أنه كره أن يرغب المسلمين ، وجعل يعجب من  ابن عون  ، وكذا نقل  الأثرم  ، وسأله مهنا    : يكري المجوسي داره أو دكانه وهو يعلم أنهم يزنون ؟ فقال : كان  ابن عون  لا يرى أن يكري المسلم يقول : أرغبهم بأخذ الغلة ، ويكري غير المسلمين ، قال  الخلال    :  [ ص: 445 ] كل من حكى  عنه  في الكراء : فإنما أجاب على قول  ابن عون  ، ولم ينقل له فيه قول ، وقد رواه إبراهيم  معجبا بقول  ابن عون  ، و الذي رووه  عنه  في البيع أنه كرهه كراهة شديدة ، فلو نقل  لأبي عبد الله  قول في السكنى كان السكنى والبيع عندي واحدا ، والأمر في ظاهر قول  أبي عبد الله  لا تباع منه ، والأمر عندي لا تباع منه ولا تكرى ; لأنه معنى واحد ، ثم روى  الخلال  أن أبا بكر  قال  لأحمد    : حدثني  أبو سعيد الأشج    : سمعت  أبا خالد الأحمر  يقول : حفص  باع دار  حصين بن عبد الرحمن  عابد أهل الكوفة  من عون البصري  ، فقال له  أحمد    : حفص  ؟ فقال : نعم ، فعجب  أحمد  ، يعني من  حفص بن غياث  ، قال  الخلال    : وهذا تقوية لمذهب  أبي عبد الله  ، فإذا كان يكره بيعها من فاسق فكذلك من كافر ، فإن الذمي يقر ، والفاسق لا يقر ، ولكن ما يفعله الذمي فيها أعظم . 
وقال أبو بكر عبد العزيز    : لا فرق بين البيع والإجارة عنده ، فإذا أجاز البيع أجاز الإجارة وإذا منع البيع منع الإجارة ، قال شيخنا  ووافقه  القاضي  وأصحابه على ذلك : قال ابن أبي موسى    : كره  أحمد  أن يبيع ، داره من ذمي يكفر فيها ويستبيح المحظورات ، فإن فعل لم يبطل البيع وكذا قال الآمدي  وأطلق الكراهة مقتصرا عليها ، ومقتضى ما سبق من كلام  الخلال  وصاحبه تحريم ذلك ، قاله شيخنا    . 
وقال  القاضي    : لا يجوز أن يؤاجر داره أو بيته ممن يتخذه بيت نار أو كنيسة ، أو يبيع فيه الخمر    [ سواء شرط أن  [ ص: 446 ] يبيع فيه الخمر أو لم يشترط ، لكنه يعلم أنه يبيع فيه الخمر ] وقد قال  أحمد    : لا أرى أن يبيع داره من كافر يكفر فيها  ، يبيعها من مسلم أحب إلي . 
وقال أيضا في نصارى وقفوا ضيعة لهم للبيعة    : لا يستأجرها الرجل المسلم منهم ، يعينهم على ما هم فيه ، قال شيخنا    : فقد حرم  القاضي  إجارتها لمن يعلم أنه يبيع فيها الخمر ، مستشهدا على ذلك بنص  أحمد  على أنه لا يبيعها لكافر ، ولا يكتري وقف الكنيسة ، وذلك يقتضي أن المنع عنده في هاتين الصورتين منع تحريم ، قال  القاضي  في أثناء المسألة : فإن قيل : أليس قد أجاز  أحمد  إجارتها من أهل الذمة  مع علمه بأنهم يفعلون ذلك فيها ؟ قيل : المنقول عن  أحمد  أنه حكى قول  ابن عون  وعجب منه ، وهذا يقتضي أن  القاضي  لا يجوز إجارتها من ذمي ، وظاهر رواية  الأثرم   وإبراهيم بن الحارث  جواز ذلك ، فإن إعجابه بالفعل دليل على جوازه عنده ، واقتصاره على الجواب بفعل رجل يقتضي أنه مذهبه في أحد الوجهين ، ذكره شيخنا    . 
وقال : الفرق بين البيع والإجارة أن ما في الإجارة من مفسدة الإعانة عارضت مصلحة ، وهي صرف إرغاب المطالبة بالكراء عن المسلم وإنزاله بالكفار ، كإقراره بالجزية ، فإنه إقرار لكافر ، لكن جاز لما تضمنه من المصلحة ، ولذلك جازت مهادنة الكفار  في الجملة ، وهذه المصلحة منتفية في البيع ، قال : فيصير في المسألة أربعة أقوال ، وظاهر كلام من  [ ص: 447 ] لم يخص هذه المسألة بالذكر  كالشيخ  وغيره الجواز ( م 18 ) كما أن ظاهر كلام الأكثر فيما إذا ملكوا دارا عالية من مسلم لم تنقض أنه لا يبطل البيع ونحوه ، كما أن ظاهر كلامهم في تخصيص الأرض العشرية بالذكر جواز غيرها ، ويدل عليه أن الملبوس يكفر فيه الذمي ويعصي ، فمقتضى ما سبق المنع تحريما أو كراهة ، ومن المعلوم أن من زمن النبي صلى الله عليه وسلم وإلى اليوم يباع لهم من غير نكير شائعا ، لم يتورع منه أحد ، وكالمأكول والمشروب ، فإن قيل : هذا محل حاجة وضرورة ، قيل : الغرض في غيرها ، مع أن الملبوس لا بد منه ، وكذا الإيواء  [ ص: 448 ] والسكن ، [ وإن ] قيل : هو كمسألتنا ، قيل هذا مع العلم ببطلانه : لا نعلم به قائلا ، والله أعلم . وقد قال  أحمد  رحمه الله في المجوس    : لا تبن لهم ، وقال له ابن منصور    : سئل الأوزاعي  عن الرجل يؤاجر نفسه لنظارة كرم النصارى   ، فكره ذلك ، فقال  أحمد    : ما أحسن ما قال ; لأن أصل ذلك يرجع إلى الخمر إلا أن يعلم أنه يباع لغير الخمر فلا بأس . ويتوجه في هاتين المسألتين ما سبق من الخلاف ، ويدل عليه نصه في استئجار وقف الكنيسة ، وقوله : " إلا أن يعلم أنه يباع لغير الخمر " ، ليس هذا على ظاهره ، والله أعلم . 
     	
		 [ ص: 447 ]  
				
						
						
