فصل في بيان الأذان والإقامة 
( الأذان ) والأذين والتأذين بالمعجمة لغة : الإعلام  ،  قال الله تعالى { وأذان من الله ورسوله    } وشرعا :  [ ص: 399 ] قول مخصوص يعلم به وقت الصلاة المفروضة . 
والأصل فيهما قبل الإجماع قوله تعالى { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة    } وقوله { وإذا ناديتم إلى الصلاة    } وما صح من قوله صلى الله عليه وسلم { إذا أقيمت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم    } وفي أبي داود  بإسناد صحيح عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه  قال { لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به الناس لجمع الصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت : يا عبد الله أتبيع الناقوس ؟ فقال : وما تصنع به فقلت : ندعو به إلى الصلاة  ،  قال : أولا أدلك على ما هو خير من ذلك ؟  [ ص: 400 ] فقلت بلى  ،  قال تقول : الله أكبر الله أكبر إلى آخر الأذان  ،  ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال : وتقول إذا قمت إلى الصلاة : الله أكبر الله أكبر إلى آخر الإقامة  ،  فلما أصبحت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال : إنها رؤيا حق إن شاء الله  ،  قم مع  بلال  فألق عليه ما رأيت فإنه أندى منك صوتا  ،  فقمت مع  بلال  فجعلت ألقيه عليه فيؤذن به  ،  فسمع ذلك عمر بن الخطاب  وهو في بيته فخرج يجر رداءه ويقول : والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى  ،  فقال صلى الله عليه وسلم : فلله الحمد   } . 
ولا يرد على ذلك أن الأحكام لا تثبت بالرؤيا . لأنا نقول : ليس مستند الأذان الرؤيا وإنما وافقها نزول الوحي فالحكم ثبت به لا بها  ،  فقد روى  البزار    { أن النبي صلى الله عليه وسلم أري الأذان ليلة الإسراء وأسمعه مشاهدة فوق سبع سموات  ،  ثم قدمه  [ ص: 401 ] جبريل  فأم أهل السماء وفيهم آدم  ونوح  عليهم أفضل الصلاة والتسليم  ،  فأكمل له الشرف على أهل السموات والأرض   } وخرج بقولنا يعلم به وقت الصلاة ما يسن لغيرها  ،  وله أنواع يأتي بعضها في العقيقة . 
ومنها أنه يسن للمهموم أن يأمر من يؤذن في أذنه  فإنه يزيل الهم كما رواه الديلمي  عن علي  يرفعه . 
وروى أيضا { من ساء خلقه من إنسان أو بهيمة فإنه يؤذن في أذنه   } ويسن أيضا إذا تغولت الغيلان : أي تمردت الجان  ،  لأن الأذان يدفع شرهم فإن الشيطان إذا سمعه أدبر . 
ولا ترد هذه الصور على المصنف  لأن كلامه في أذان معه إقامة وهذه لا إقامة فيها سوى أذان المولود . وأما هو فأفرده بالذكر في باب العقيقة . ( والإقامة ) في الأصل مصدر أقام وسمي به الذكر المخصوص لأنه يقيم إلى الصلاة . ومشروعية الأذان والإقامة  ثابتة بالإجماع  ،  وإنما الخلاف في كيفية مشروعيتهما والأصح أن كلا منهما ( سنة ) على الكفاية ولو لجمعة فيحصل بفعل البعض كابتداء السلام  ،  ولو أذن في جانب من بلد كبير حصلت السنة لأهل ذلك الجانب فقط . 
أما في حق المنفرد فهما سنة عين . 
والضابط أن يكون بحيث يسمعه جميع  [ ص: 402 ] أهلها لو أصغوا إليه  ،  لكن لا بد في حصول السنة بالنسبة لكل أهل البلد من ظهور الشعار كما ذكر  ،  فعلم أنه لا ينافيه ما يأتي أن أذان الجماعة يكفي سماع واحد له  ،  لأنه بالنظر لأداء أصل سنة الأذان وهذا بالنظر لأدائه عن جميع أهل البلد . 
قالوا : وإنما لم يجبا لأنهما إعلام بالصلاة ودعاء إليها كقوله الصلاة جامعة  ،  وضعفه في المجموع بأنه ليس في ذلك شعار ظاهر بخلاف الأذان . وفي المهمات بأن ذاك دعاء إلى مستحب وهذا دعاء إلى واجب . 
ويدل على عدم وجوب الأذان أيضا أنه صلى الله عليه وسلم تركه في ثانية الجمع  ،  ولو كان واجبا لما تركه للجمع الذي ليس بواجب  ،  ولذكره صلى الله عليه وسلم في جبر المسيء صلاته كما ذكر الوضوء والاستقبال وأركان الصلاة ( وقيل ) كل ( فرض كفاية ) لأنهما من الشعائر الظاهرة وفي تركهما تهاون  ،  فعليه لو تركهما أهل بلدة قوتلوا بخلاف ذلك على الأول ( وإنما يشرعان للمكتوبة ) من الخمس خرج المنذورة وصلاة الجنازة وسائر النوافل  [ ص: 403 ] فلا يؤذن لها ولا يقيم لعدم ورودهما فيها بل يكرهان لغير المكتوبة كما صرح به في الأنوار  ،  وعبر ب يشرعان دون يسنان إشارة إلى أن ذلك جار على القولين ( ويقال في العيد ونحوه ) من كسوف واستسقاء وتراويح وكل نفل شرعت له الجماعة  ،  وكذا وتر سن جماعة وتراخى فعله عن التراويح كما هو ظاهر  ،  بخلاف ما إذا فعل عقبها فإن النداء لها نداء له كذا قيل  ،  والأقرب أنه يقوله في كل ركعتين من التراويح وللوتر مطلقا لأنها بدل عن الإقامة لو كانت مطلوبة هنا ( الصلاة جامعة ) بنصب الأول بالإغراء والثاني بالحالية ورفعهما على الابتداء والخبر ورفع أحدهما على أنه مبتدأ حذف خبره أو عكسه  ،  ونصب الآخر على الإغراء في الأول والحالية في الثاني لورود ذلك في الصحيحين في كسوف الشمس  ،  وقيس به الباقي وكالصلاة جامعة هلموا إلى الصلاة أو الصلاة رحمكم الله  [ ص: 404 ] أو حي على الصلاة كما في العباب خلافا لبعضهم  ،  وخرج بقوله في العيد ونحوه النافلة التي لا تسن الجماعة فيها والتي تسن فيها إذا صليت فرادى والمنذورة وصلاة الجنازة لأن المشيعين لها حاضرون فلا حاجة لإعلامهم 
     	
		
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					