( النوع الثاني الصلح على الإنكار    ) أو السكوت من المدعى عليه كما قاله في المطلب عن سليم الرازي  وغيره  ،  ولا حجة للمدعي كأن ادعى عليه شيئا فأنكر أو سكت ثم صالح عنه ( فيبطل إن جرى على نفس المدعي ) كأن يدعي عليه دارا فيصالحه عليها  بأن يجعلها للمدعي أو للمدعى عليه كما تصدق به عبارة المصنف  ،  وهو باطل فيهما ; إذ لا يمكن تصحيح التمليك مع ذلك لاستلزامه أن يملك المدعي مالا يملكه أو المدعى عليه ما يملكه  ،  وقياسا على ما لو أنكر الخلع والكتابة ثم تصالحا على شيء  ،  ولا ينافي ذلك خبر أبي داود    { أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجلين اختصما في مواريث ولا بينة لهما : اقتسما ثم توخيا الحق ثم استهما ثم ليحلل كل منكما صاحبه   } ; لأنه قسمها بينهما بحكم كونها في يدهما ولا مرجح  ،  وأما التحليل مع الجهل فمن باب الورع ; لأنه أقصى ما يمكن حينئذ  ،  بخلاف جهل ما يمكن استكشافه  ،  واليمين المردودة كالإقرار  ،  وكذا قيام بينة بعد الإنكار فيصح الصلح بعدها كما قاله الماوردي  ،  واستشكال  [ ص: 388 ] الغزالي  ذلك قبل القضاء بالملك ; لأن له سبيلا إلى الطعن يرد بأن العدول إلى المصالحة يدل على عجزه عن إبداء طاعن  ،  ولو ادعى عليه عينا فقال : رددتها إليك ثم صالحه  فإن كانت أمانة بيده لم يصح الصلح لقبول قوله فيكون صلحا على الإنكار  ،  وإلا فقوله في الرد غير مقبول فيصح الإقرار بالضمان هذا ما في فتاوى البغوي  ،  وله احتمالان بالبطلان مطلقا فإنه لم يقر أن عليه شيئا  ،  ويرد بمثل ما مر من أن العدول إلى المصالحة يدل على بقاء ضمانه  ،  وللمدعي المحق فيما بينه وبين الله أن يأخذ ما بذله في الصلح على إنكار  ،  لكن إن وقع الصلح على غير المدعى كان ظافرا ففيه ما يأتي في الظفر  ،  ولو أنكر فصولح ثم أقر  لم يفد إقراره صحة الصلح السابق كما قاله الماوردي  لانتفاء شرطه من سبق الإقرار  ،  فاندفع قول الإسنوي  أخذا من كلام السبكي  ينبغي الصحة لاتفاقهما  ،  على أن العقد جرى بشروطه في علمهما أو في نفس الأمر  ،  وعلم الفرق بين هذا وما لو باع مال أبيه ظانا حياته  ،  فإن الشرط وهو الملك موجود ثم في نفس الأمر  ،  بخلافه هنا ; إذ الإقرار إخبار لا يلزم منه وجود مخبر به في نفس الأمر  ،  ولو تنازعا في جريانه على إنكار أو إقرار  صدق مدعي الإنكار ; لأن الأصل عدم العقد  ،  ولأن الظاهر والغالب جريان الصلح على الإنكار  ،  بخلاف البيع فالغالب صدوره على الصحة فلهذا كان القول فيه قول مدعيها  ،  ويغتفر جريانه على غير إقرار فيما لو اصطلح الورثة فيما وقف بينهم كما سيأتي إذا لم يبذل أحد عوضا من خالص ملكه  ،  وفيما لو أسلم على أكثر من أربع نسوة ومات قبل الاختيار أو طلق إحدى زوجتيه ومات قبل البيان أو التعيين ووقف الميراث بينهن فاصطلحن  ،  وفيما لو تداعيا وديعة عند آخر فقال لا أعلم لأيكما هي أو دارا في يدهما وأقام كل بينة  [ ص: 389 ] ثم اصطلحا  ،  ولا ينافي ما عبر به المصنف  تعبير الروضة كأصلها بقولها على غير المدعي كأن يصالحه عن الدار بثوب أو دين فقد قال الشارح    : وكأن نسخة المصنف  من المحرر عين فعبر عنها بالنفس  ،  ولم يلاحظ موافقة ما في الشرح فهما مسألتان حكمهما واحد ا هـ . 
ومراده بذلك دفع اعتراض من قال : إن الصواب التعبير بالغير كما عبر به في المحرر  ،  ولهذا ادعى بعضهم أن الراء تصحفت على المصنف  بالنون فعبر عنها بالنفس . 
لا يقال : التعبير بالنفس غير مستقيم ; لأن على والباء يدخلان على المأخوذ ومن وعن على المتروك ; لأنا نقول : ذلك جرى على الغالب كما مرت الإشارة إليه  ،  وأيضا فالمدعى المذكور مأخوذ ومتروك باعتبارين غايته أن إلغاء الصلح في ذلك للإنكار ولفساد الصيغة باتحاد العوضين ( وكذا ) يبطل الصلح ( إن جرى على بعضه )  أي المدعى كما لو كان على غير المدعى ( في الأصح ) والثاني يصح لاتفاقهما على أن البعض مستحق للمدعي  ،  ولكنهما مختلفان في جهة الاستحقاق  ،  واختلافهما في الجهة لا يمنع الأخذ . 
ورد بأنه عند اختلاف الدافع والقابض في الجهة المصدق الدافع  ،  وهو يقول : إنما بذلت لدفع الأذى لئلا يرفعني إلى قاض ويقيم علي شهود زور  ،  والبذل لهذه الجهة باطل  ،  ويستثنى من محل الوجهين ما لو كان المدعى به دينا وصالح منه على بعضه فإنه يبطل جزما ; لأن التصحيح إنما هو بتقدير الهبة  ،  وإيرادها على ما في الذمة ممتنع   ( وقوله ) بعد إنكاره ( صالحني عن الدار ) مثلا ( التي تدعيها )    ( ليس إقرارا في الأصح ) لاحتمال أن يريد قطع الخصومة فقط  ،  والثاني نعم لتضمنه الاعتراف كما لو قال : ملكني ودفع بما مر  ،  وعلى الأول يكون الصلح بعد هذا التماس صلح إنكار  ،  أما لو قال ذلك ابتداء قبل إنكاره كان باطلا جزما  ،  ولو قال : بعني أو هبني أو ملكني المدعى به أو زوجنيها أو أبرئني منه  فإقرار لا أجرني أو أعرني على الأصح كما جزم به في الأنوار ; إذ الإنسان قد يستعير ملكه ويستأجره من مستأجره ومن الموصى له بمنفعته . 
نعم يظهر كما بحثه الشيخ  أنه إقرار بأنه  [ ص: 390 ] مالك للمنفعة . 
     	
		
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					