فصل في صفة الأئمة ومتعلقاتها واعلم أن الإمام تطلب فيه صفات بعضها واجب وبعضها مستحب ، كما سيأتي أن الواجب أن تكون صلاته صحيحة عند المقتدي مغنية عن القضاء ، وإلا فلا تصح القدوة . وقد شرع في بيان ذلك فقال : ( فصل ) في صفة الأئمة ومتعلقاتها ( لا يصح اقتداؤه بمن يعلم بطلان صلاته ) كعلمه بكفره أو حدثه لتلاعبه ( أو يعتقده ) أي البطلان بأن يظنه ظنا غالبا وليس المراد به ما اصطلح عليه الأصوليون ، وهو الجازم المطابق لدليل ( كمجتهدين اختلفا في القبلة ) [ ص: 163 ] اجتهادا ولو مع التيامن والتياسر ، وإن اتحدت الجهة ( أو ) في ( إناءين ) كماء طاهر ونجس ، وأدى اجتهاد كل لغير ما أدى إليه اجتهاد صاحبه فصلى كل لجهة ، أو توضأ من إناء فيمتنع على أحدهما أن يقتدي بالآخر لاعتقاده بطلان صلاته ( فإن تعدد الطاهر ) من الآنية كالمثال الآتي ولم يظن من حال غيره شيئا ( فالأصح الصحة ) أي صحة اقتداء بعضهم ببعض ( ما لم يتعين إناء الإمام للنجاسة ) لما يأتي .
( فإن ) ( ظن ) بالاجتهاد ( طهارة إناء غيره ) كإنائه ( اقتدى به قطعا ) جوازا لعدم تردده أو نجاسته لم يقتد به قطعا كما في حق نفسه ( فلو ) ( اشتبه خمسة ) من الآنية ( فيها ) إناء ( نجس على خمسة ) من الناس واجتهد كل منهم ( فظن كل طهارة إنائه ) والإضافة هنا ليست للملك ، إذ لا يشترط في المجتهد فيه كونه مملوكا له ، وإنما هي للاختصاص ( فتوضأ به ) ولم يظن شيئا من أحوال الأربعة الباقية ( وأم كل منهم ) الباقين ( في صلاة ) من الخمس مبتدئين بالصبح ( ففي الأصح ) السابق فيما قبلها ( يعيدون العشاء ) لتعين النجاسة في إمامها بزعمهم ، وإنما عولوا على التعيين بالزعم هنا مع كون الأمر منوطا بظن المبطل المعين ولم يوجد ، بخلاف المبهم لما مر من صحة الصلاة بالاجتهاد إلى جهات متعددة ; لأنه لما كان الأصل في فعل المكلف صونه عن الإبطال [ ص: 164 ] ما أمكن اضطررنا ; لأجل ذلك إلى اعتباره ، وهو يستلزم اعترافه ببطلان صلاة الأخير فكان مؤاخذا به بخلاف ما مر ثم ، فإن كل اجتهاد وقع صحيحا فلزمه أن يعمل بمقتضاه ولا مبالاة بوقوع مبطل غير معين ( إلا إمامها فيعيد المغرب ) لتعين النجاسة في حقه ، ومرادهم بتعين النجاسة عدم احتمال بقاء وجودها في حق غيره . وضابط ذلك أن كلا يعيد ما صلاه مأموما آخر .
والوجه الثاني يعيد كل منهم ما صلاه مأموما وهو أربع صلوات ; لعدم صحة الاقتداء كما تقدم ، ولو كان في الخمسة نجسان صحت صلاة كل خلف اثنين فقط ، أو النجس منها ثلاثة فبواحد فقط .
ويؤخذ مما مر في الضابط أن من تأخر منهم تعين الاقتداء به للبطلان ، ولو كان النجس أربعة [ ص: 165 ] لم يقتد أحد منهم بأحد ، ولو سمع صوت حدث أو شمه بين خمسة وتناكروه ، وأم كل في صلاة فكما ذكر في الأواني ( و ) شمل قوله يعتقده الاعتقاد الجازم لدليل نشأ عن اجتهاد في الفروع فعليه ( لو ) ( اقتدى شافعي بحنفي ) مثلا ارتكب مبطلا في اعتقادنا أو اعتقاده كأن ( مس فرجه أو افتصد ) ( فالأصح الصحة في الفصد دون المس اعتبارا ) فيهما ( بنية المقتدي ) هو من زيادته على المحرر ، ومراده بالنية الاعتقاد ; لأنه محدث عنده بالمس دون الفصد ، وقد صورها صاحب الخواطر السريعة بما إذا نسي الإمام كونه مفتصدا لتكون نيته جازمة في اعتقاده ، بخلاف ما إذا علمه ; لأنه متلاعب عندنا أيضا لعلمنا بعدم جزمه بالنية ، قيل ويرده كلام الأصحاب فإنهم عللوا الوجه القائل باعتبار عقيدة الإمام بأنه يرى أنه متلاعب في الفصد ونحوه فلا تقع منه نية صحيحة ، فالخلاف إنما هو عند علمه حال النية بفصده .
ويجاب بأن المراد بالتلاعب في تعليل ما ذكر بالنظر للمأموم دون الإمام ، إذ غاية أمره أنه عالم حال [ ص: 166 ] النية بمبطل عنده ، وعلمه به مؤثر في جزمه عنده لا عندنا ، ومقابل الأصح أن العبرة بعقيدة الإمام لما مر ، ولا يشكل على ما تقرر حكمنا باستعمال مائه وعدم مفارقته عند سجوده ل { ص } .
ولا قولهم لو نوى مسافران شافعي وحنفي إقامة أربعة أيام بموضع انقطع بوصولهما سفر الشافعي فقط وجاز له الاقتداء بالحنفي مع اعتقاده بطلان صلاته ; لأن كلامهم هنا في ترك واجب لا يجوزه الشافعي مطلقا بخلافه ثم فإنه يجوز القصر في الجملة ، وسيأتي فيه زيادة في بابه ، وأيضا فالمبطل هنا وفيما لو سجد ل { ص } أو تنحنح عمدا عهد اغتفار نظيره في اعتقاد الشافعي لو وقع من جاهل ، والحنفي مثله فلا ينافي اعتقاد كل جواز ما أقدم عليه فاغتفر له قياسا عليه ، بخلاف الصلاة مع نحو المس فإنه يستوي في ذلك الجاهل وغيره .
ولو شك شافعي في إتيان المخالف بالواجبات عند المأموم لم يؤثر في صحة الاقتداء به تحسينا للظن به [ ص: 167 ] في توقي الخلاف ، ولو ترك الإمام البسملة لم تصح قدوة الشافعي به ولو كان المقتدى به الإمام الأعظم أو نائبه كما نقلاه عن تصحيح الأكثرين وقطع جماعة وهو المعتمد ، وإن نقلا عن الحليمي والأودني الصحة خلفه واستحسناه . وتعليل الجواز بخوف الفتنة ممنوع ، فقد لا يعلم الإمام بعدم اقتدائه أو مفارقته كأن يكون في الصف الأخير مثلا أو يتابعه في أفعالها من غير ربط وانتظار كثير فينتفي خوف الفتنة .


