أنواع النسخ في القرآن  
والنسخ في القرآن ثلاثة أنواع : 
النوع الأول : نسخ التلاوة والحكم معا  ، ومثاله : ما رواه  مسلم  وغيره عن  عائشة  قالت : " كان فيما أنزل : عشر رضعات معلومات يحرمن ، فنسخن بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهن مما يقرأ من القرآن " ، وقولها : " وهن مما يقرأ من القرآن " ظاهره بقاء التلاوة ، وليس كذلك ، فإنه غير موجود في المصحف العثماني . وأجيب بأن المراد : قارب الوفاة . 
والأظهر أن التلاوة نسخت ولم يبلغ ذلك كل الناس إلا بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتوفي وبعض الناس يقرؤها . 
وحكى القاضي أبو بكر  في " الانتصار " عن قوم إنكار هذا القسم ; لأن الأخبار فيه أخبار آحاد ، ولا يجوز القطع على إنزال القرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجة فيها تفيد القطع ، ولكنها ظنية . 
ويجاب على ذلك بأن ثبوت النسخ شيء ، وثبوت نزول القرآن شيء آخر ، فثبوت النسخ يكفي فيه الدليل الظني بخبر الآحاد ، أما ثبوت نزول القرآن فهو الذي يشترط فيه الدليل القطعي بالخبر المتواتر ، والذي معنا ثبوت النسخ لا ثبوت القرآن فيكفي فيه أخبار الآحاد . ولو قيل إن هذه القراءة لم تثبت بالتواتر لصح ذلك .
النوع الثاني : نسخ الحكم وبقاء التلاوة  ، ومثاله : نسخ حكم آية العدة بالحول مع بقاء تلاوتها - وهذا النوع هو الذي ألفت فيه الكتب وذكر المؤلفون  [ ص: 231 ] فيه الآيات المتعددة . والتحقيق أنها قليلة ، كما بين ذلك  القاضي أبو بكر ابن العربي   . 
وقد يقال : ما الحكمة في رفع الحكم وبقاء التلاوة ؟ 
والجواب من وجهين . . 
أحدهما : أن القرآن كما يتلى ليعرف الحكم منه ، والعمل به ، فإنه يتلى كذلك لكونه كلام الله تعالى فيثاب عليه ، فتركت التلاوة لهذه الحكمة . 
وثانيهما : أن النسخ غالبا يكون للتخفيف ، فأبقيت التلاوة تذكيرا بالنعمة في رفع المشقة . 
وأما حكمة النسخ قبل العمل ، كالصدقة عند النجوى ، فيثاب على الإيمان به ، وعلى نية طاعة الأمر . 
النوع الثالث : نسخ التلاوة مع بقاء الحكم  ، وقد ذكروا له أمثلة كثيرة ، منها آية الرجم : " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله ، والله عزيز حكيم " ومنها ما روي في الصحيحين عن  أنس  في قصة أصحاب بئر معونة  الذين قتلوا وقنت الرسول يدعو على قاتليهم ، قال  أنس   : ونزل فيهم قرآن قرأناه حتى رفع : " أن بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا " ثم نسخت تلاوته - وبعض أهل العلم ينكر هذا النوع من النسخ . لأن الأخبار فيه أخبار آحاد ، ولا يجوز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد ، قال ابن الحصار   : " إنما يرجع في النسخ إلى نقل صريح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو عن صحابي يقول : آية كذا نسخت كذا ، قال : وقد يحكم به عند وجود التعارض المقطوع به مع علم التاريخ ليعرف المتقدم والمتأخر ، قال : ولا يعتمد في النسخ على قول عوام المفسرين ، بل ولا اجتهاد المجتهدين من غير نقل صريح ، ولا معارضة بينة ، لأن النسخ يتضمن رفع حكم وإثبات حكم تقرر في عهده -صلى الله عليه وسلم- والمعتمد فيه النقل والتاريخ دون الرأي والاجتهاد ، قال : والناس في هذا بين طرفي نقيض ، فمن قائل : لا يقبل في  [ ص: 232 ] النسخ أخبار الآحاد العدول ، ومن متساهل يكتفي فيه بقول مفسر أو مجتهد ، والصواب خلاف قولهما “ . 
وقد يقال : إن الآية والحكم المستفاد منها متلازمان ; لأن الآية دليل على الحكم . فإذا نسخت الآية نسخ حكمها . وإلا وقع الناس في لبس . 
ويجاب عن ذلك بأن هذا التلازم يسلم لو لم ينصب الشارع دليلا على نسخ التلاوة ، وعلى إبقاء الحكم ، أما وقد نصب الدليل على نسخ التلاوة وحدها ، وعلى إبقاء الحكم واستمراره فإن التلازم يكون باطلا ، وينتفي اللبس بهذا الدليل الشرعي الذي يدل على نسخ التلاوة مع بقاء الحكم . 
"
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					