[ ص: 3194 ] القول في تأويل قوله تعالى : 
[ 66 ] لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين    . 
لا تعتذروا  أي : لا تشتغلوا باعتذاراتكم الكاذبة ، فالنهي عن الاشتغال به وإدامته إذ أصله وقع قد كفرتم  أي : أظهرتم الكفر بإيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم والطعن فيه وباستهزائكم بمقالكم بعد إيمانكم  أي : بعد إظهاركم الإيمان . 
تنبيه : 
قال في ( " الإكليل " ) : قال  إلكيا   : فيه دلالة على أن اللاعب والجاد في إظهار كلمة الكفر سواء  ، وأن الاستهزاء بآيات الله كفر   - انتهى - . 
قال الرازي   : لأن الاستهزاء يدل على الاستخفاف ، والعمدة الكبرى في الإيمان تعظيم الله تعالى بأقصى الإمكان ، والجمع بينهما محال . 
وقال الإمام ابن حزم  في ( " الملل " ) : كل ما فيه كفر بالبارئ تعالى ، واستخفاف به ، أو بنبي من أنبيائه ، أو بملك من ملائكته ، أو بآية من آياته عز وجل ، فلا يحل سماعه ، ولا النطق به ، ولا يحل الجلوس حيث يلفظ به . ثم ساق الآية . 
وقوله تعالى : إن نعف عن طائفة منكم  أي : لتوبتهم وإخلاصهم ، أو تجنبهم عن الإيذاء والاستهزاء نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين  أي : مصرين على النفاق ، أو مقدمين على الإيذاء والاستهزاء . 
تنبيه : 
روي في صفة استهزاء المنافقين روايات عدة : قال  ابن إسحاق   : كان رهط من المنافقين منهم وديعة بن ثابت  ، أخو بني عمرو بن  [ ص: 3195 ] عوف  ، ومنهم رجل من أشجع  حليف لبني سلمة  يقال له مخشن بن حمير  ، ( ويقال مخشي   ) ، يشيرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى تبوك  ، فقال بعضهم لبعض : أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب  بعضهم بعضا . والله ! لكأنا بكم غدا مقرنين في الحبال ، إرجافا وترهيبا للمؤمنين ، فقال مخشن بن حمير   : والله ! لوددت أن أقاضى على أن يضرب كل منا مائة جلدة ، وأنا نتقلب أن ينزل فينا قرآن ، لمقالتكم هذه ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني  لعمار بن ياسر   : « أدرك القوم ، فإنهم قد احترقوا ، فسلهم عما قالوا ، فإن أنكروا فقل : بلى ! قلتم : كذا وكذا » . فانطلق إليهم  عمار  ، فقال ذلك لهم ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه ، فقال وديعة بن ثابت   - ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف على ناقته - : يا رسول الله ! إنما كنا نخوض ونلعب ، فأنزل الله عز وجل فيهم : ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب  
وقال مخشن بن حمير   : يا رسول الله ! قعد بي اسمي واسم أبي ، وكان الذي عفي عنه في هذه الآية مخشن  ، فتسمى عبد الرحمن  ، وسأل الله تعالى أن يقتله شهيدا لا يعلم بمكانه فقتل بيوم اليمامة ، فلم يوجد له أثر انتهى . 
وقال  عكرمة   : ممن إن شاء الله تعالى عفا عنه يقول : اللهم إني أسمع آية أنا أعنى بها ، تقشعر منها الجلود ، وتوجل منها القلوب ، اللهم فاجعل وفاتي قتيلا في سبيلك ، لا يقول أحد : أنا غسلت ، أنا كفنت ، أنا دفنت . 
قال : فأصيب يوم اليمامة ، فما من أحد من المسلمين إلا وقد وجد غيره . 
ومما روي في استهزائهم أن رجلا من المنافقين قال : ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء ، أرغب بطونا ، ولا أكذب ألسنا ، ولا أجبن عند اللقاء ، فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء إلى النبي صلوات الله عليه وقد ارتحل وركب ناقته ، فقال : يا رسول الله ! إنما كنا نخوض ونلعب ، فقال : أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون  الآية ، وهو متعلق بسيف الرسول ، وما يلتفت إليه صلى الله عليه وسلم . 
 [ ص: 3196 ] قال  الزجاج   : ( الطائفة ) في اللغة أصلها الجماعة ، لأنها المقدار الذي يمكنها أن تطيف بالشيء ، ثم يجوز أن يسمى الواحد بالطائفة . انتهى . 
وإيقاع الجمع على الواحد معروف في كلام العرب   . 
وقوله تعالى : 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					