وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا    . 
قوله تعالى: " وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس   " فيه ثلاثة أقوال: 
أحدها: أحاط علمه بالناس، قاله  أبو صالح  عن  ابن عباس،  وبه قال  الربيع بن أنس .  وقال  مقاتل:  أحاط علمه بالناس، يعني: أهل مكة،  أن يفتحها لرسوله صلى الله عليه وسلم .  [ ص: 53 ] 
والثاني: أحاطت قدرته بالناس فهم في قبضته، قاله  مجاهد .  
والثالث: حال بينك وبين الناس أن يقتلوك لتبلغ رسالته، قاله  الحسن   وقتادة .  
قوله تعالى: " وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس   " في هذه الرؤيا قولان: 
أحدهما: أنها رؤيا عين، وهي ما رأى ليلة أسري به من العجائب والآيات . روى  عكرمة  عن  ابن عباس،  قال: هي رؤيا عين رآها ليلة أسري به، وإلى هذا المعنى ذهب  الحسن،   وسعيد بن جبير،   ومجاهد،   وعكرمة،   ومسروق،   والنخعي،   وقتادة،  وأبو مالك،   وأبو صالح،   وابن جريج،   وابن زيد  في آخرين . فعلى هذا يكون معنى الفتنة: الاختبار، فإن قوما آمنوا بما قال وقوما كفروا . قال  ابن الأنباري:  المختار في هذه الرؤية أن تكون يقظة، ولا فرق بين أن يقول القائل: رأيت فلانا رؤية، ورأيته رؤيا، إلا أن الرؤية يقل استعمالها في المنام، والرؤيا يكثر استعمالها في المنام، ويجوز كل واحد منهما في المعنيين . 
والثاني: أنها رؤيا منام . ثم فيها قولان: أحدهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  [ ص: 54 ] كان قد أري أنه يدخل مكة  هو وأصحابه، وهو يومئذ بالمدينة،  فعجل قبل الأجل، فرده المشركون، فقال أناس: قد رد، وكان حدثنا أنه سيدخلها، فكان رجوعهم فتنتهم،رواه  العوفي  عن  ابن عباس .  وهذا لا ينافي حديث المعراج ; لأن هذا كان بالمدينة،  والمعراج كان بمكة .  قال  أبو سليمان الدمشقي:  وإنما ذكره  ابن عباس  على وجه الزيادة في الإخبار لنا أن المشركين بمكة افتتنوا برؤيا عينه، والمنافقين بالمدينة  افتتنوا برؤيا نومه . والثاني: أنه أري بني أمية  على المنابر فساءه ذلك، فقيل له: إنها الدنيا يعطونها، فسري عنه . فالفتنة هاهنا: البلاء، رواه  علي بن زيد بن جدعان  عن  سعيد بن المسيب،  وإن كان مثل هذا لا يصح، ولكن قد ذكره عامة المفسرين . 
وروى  ابن الأنباري  أن  سعيد بن المسيب  قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما على منابر، فشق ذلك عليه، وفيه نزل: " والشجرة الملعونة في القرآن   " ، قال: ومعنى قوله: " إلا فتنة للناس   " : إلا بلاء للناس . قال  ابن الأنباري:  فمن ذهب إلى أن الشجرة رجال رآهم النبي صلى الله عليه وسلم في منامه يصعدون على المنابر، احتج بأن الشجرة يكنى بها عن المرأة لتأنيثها، وعن الجماعة لاجتماع أغصانها . قالوا ووقعت اللعنة بهؤلاء الذين كني عنهم بالشجرة . قال المفسرون: وفي الآية تقديم وتأخير، تقديره: وما جعلنا الرؤيا والشجرة إلا فتنة للناس . 
وفي هذه الشجرة ثلاثة أقوال: 
أحدها: أنها شجرة الزقوم، رواه  عكرمة  عن  ابن عباس،  وبه قال  [ ص: 55 ]  مجاهد،   وسعيد بن جبير،   وعكرمة،   ومسروق،   والنخعي،  والجمهور . وقال  مقاتل:  لما ذكر الله تعالى شجرة الزقوم، قال أبو جهل:  يا معشر قريش  إن محمدا  يخوفكم بشجرة الزقوم، ألستم تعلمون أن النار تحرق الشجر ؟ ومحمد  يزعم أن النار تنبت الشجر، فهل تدرون ما الزقوم ؟ فقال عبد الله بن الزبعرى:  إن الزقوم بلسان بربر: التمر والزبد، فقال أبو جهل:  يا جارية ابغينا تمرا وزبدا، فجاءته به، فقال لمن حوله: تزقموا من هذا الذي يخوفكم به محمد،  فأنزل الله تعالى: " ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا   "  . قال  ابن قتيبة:  كانت فتنتهم بالرؤيا قولهم: كيف يذهب إلى بيت المقدس  ويرجع في ليلة ؟ وبالشجرة قولهم: كيف يكون في النار شجرة ؟ 
وللعلماء في معنى " الملعونة   " ثلاثة أقوال: أحدها: المذمومة، قاله  ابن عباس .  والثاني: الملعون آكلها، ذكره  الزجاج،  وقال: إن لم يكن في القرآن ذكر لعنها، ففيه لعن آكليها، قال: والعرب  تقول لكل طعام مكروه وضار: ملعون ; فأما قوله: " في القرآن   " فالمعنى: التي ذكرت في القرآن، وهي مذكورة في قوله: إن شجرت الزقوم  طعام الأثيم   [ الدخان: 43، 44 ] . والثالث: أن معنى " الملعونة " : المبعدة عن منازل أهل الفضل، ذكره  ابن الأنباري .   [ ص: 56 ] 
والقول الثاني: أن الشجرة الملعونة هي التي تلتوي على الشجر، يعني: الكشوثى، وهذا مروي عن  ابن عباس  أيضا . 
والثالث: أن الشجرة كناية عن الرجال على ما ذكرنا عن  سعيد بن المسيب .  
قوله تعالى: " ونخوفهم   " قال  ابن الأنباري:  مفعول " نخوفهم " محذوف، تقديره: ونخوفهم العذاب، " فما يزيدهم   " ; أي: فما يزيدهم التخويف " إلا طغيانا   " ، وقد ذكرنا معنى الطغيان في ( البقرة: 15 )، وذكرنا هناك تفسير قوله: وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس   [ البقرة: 34 ] . 
				
						
						
