ولما كان التقدير : فأرسلت بالهدية ، وهي فيما يقال خمسمائة  [ ص: 161 ] غلام مرد ، زينتهم بزي الجواري ، وأمرتهم بتأنيث الكلام ، وخمسمائة جارية في زي الغلمان ، وأمرتهم بتغليظ الكلام ، وجزعة معوجة الثقب ، ودرة غير مثقوبة [وغير ذلك] ، وسألته أن يميز بين الغلمان والجواري ، وأن يثقب الدرة ، وأن يدخل في الجزعة خيطا ، فأمرهم بغسل الوجوه والأيدي ، فكانت الجارية تأخذ الماء بإحدى يديها ثم تنقله إلى الأخرى ثم تضرب الوجه وتصب الماء على باطن ساعدها صبا ، وكان الغلام كما يأخذ الماء يضرب به وجهه ويصب الماء على ظهر الساعد ويحدره على يديه حدرا ، وأمر الأرضة فثقبت الدرة ، والدودة فأدخلت السلك في الثقب المعوج ، رتب عليه قوله مشيرا بالفاء إلى سرعة الإرسال : فلما جاء   أي : الرسول الذي بعثته وأرسلته ، والمراد به الجنس; قال أبو حيان   : وهو يقع على الجمع والمفرد والمذكر والمؤنث. 
سليمان  فدفع إليه ذلك قال  أي : سليمان  عليه السلام للرسول ولمن في خدمته استصغارا لما معه : أتمدونن  أي : أنت ومن معك ومن أرسلك بمال   [وإنما قصدي لكم لأجل الدين] ، تحقيرا لأمر الدنيا وإعلاما بأنه لا التفات  [ ص: 162 ] له نحوها بوجه ، ولا يرضيه شيء دون طاعة الله ، ثم سبب عنه ما أوجب له استصغار ما معه فقال : فما آتاني الله  أي : الملك الأعظم الذي له جميع الكمال من المال والجلال بالنبوة والملك والقرب منه سبحانه ، وهو الذي يغني مطيعه عن كل ما سواه ، فمهما سأله أعطاه ، وذلك أنه صف الشياطين والإنس والسباع والوحش والطير والهوام صفوفا فراسخ عدة ، وبسط المكان كله بلين الذهب إلى غير ذلك مما يليق به خير مما آتاكم  أي : من [الملك] الذي لا نبوة فيه ، ولا تأييد من الله. 
ولما كان التقدير : ولكنكم لا تعلمون أن هديتكم مما يزهد فيه لتقيدكم بظاهر [من] الحياة الدنيا ، نسق عليه قوله : بل أنتم  أي : بجهلكم لذلك تستعظمون ما أنتم فيه ، فأنتم بهديتكم تفرحون  بتجويزكم أن الدنيا تردني عنكم لأنها غاية قصدي ، ويجوز أن يراد أنكم تفرحون بما يهدي إليكم فتتركون من كنتم تريدون غزوه لأجل ما آتاكم [منه] من الدنيا ، فحالي خلاف حالكم ، فإنه لا يرضيني إلا الدين ، . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					