وقوله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن   الآية قال  أبو بكر   : قد بينا فيما سلف قول من قال : إن الفرض الأول كان صوم ثلاثة أيام من كل شهر بقوله : كتب عليكم الصيام  وقوله تعالى : أياما معدودات  وأنه نسخ بقوله شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن  وقول من قال : إن شهر رمضان بيان للموجب بقوله : كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم  وقوله : أياما معدودات  فيصير تقديره " أياما معدودات هي شهر رمضان " فإن كان صوم الأيام المعدودات منسوخا بقوله شهر رمضان  إلى قوله :  [ ص: 227 ] فمن شهد منكم الشهر فليصمه  فقد انتظم قوله شهر رمضان  نسخ حكمين من الآية الأولى : 
أحدهما : الأيام المعدودات التي هي غير شهر رمضان . 
والآخر : التخيير بين الصيام والإطعام في قوله : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين  على نحو ما قدمنا ذكره عن السلف  ، وإن كان قوله شهر رمضان  بيانا لقوله : أياما معدودات  فقد كان لا محالة بعد نزول فرض رمضان التخيير ثابتا بين الصوم والفدية في أول أحوال إيجابه ، فكان هذا الحكم مستقرا ثابتا ، ثم ورد عليه النسخ بقوله : فمن شهد منكم الشهر فليصمه  إذ غير جائز ورود النسخ قبل وقت الفعل والتمكن منه . 
والصحيح هو القول الثاني ، لاستفاضة الرواية عن السلف  بأن التخيير بين الصوم والفدية كان في شهر رمضان ، وأنه نسخ بقوله : فمن شهد منكم الشهر فليصمه  
فإن قيل : في فحوى الآية دلالة على أن المراد بقوله : أياما معدودات  غير شهر رمضان ؛ لأنه لم يرد إلا مقرونا بذكر التخيير بينه وبين الفدية ، ولو كان قوله : أياما معدودات  فرضا مجملا موقوف الحكم على البيان لما كان لذكر التخيير قبل ثبوت الفرض معنى . 
قيل له : لا يمتنع ورود فرض مجملا مضمنا بحكم مفهوم المعنى موقوف على البيان ، فمتى ورد البيان بما أريد منه كان الحكم المضمن به ثابتا معه ، فيكون تقديره : " أياما معدودات " حكمها إذا بين وقتها ومقدارها أن يكون المخاطبون به مخيرين بين الصوم والفدية كما قال تعالى : خذ من أموالهم صدقة تطهرهم  فاسم الأموال عموم يصح اعتباره فيما علق به من الحكم ، والصدقة مجملة مفتقرة إلى البيان ؛ فإذا ورد بيان الصدقة كان اعتبار عموم اسم الأموال سائغا فيها ، ولذلك نظائر كثيرة . 
ويحتمل أن يكون قوله : وعلى الذين يطيقونه  متأخرا في التنزيل ، وإن كان مقدما في التلاوة ، فيكون تقدير الآيات وترتيب معانيها : أياما معدودات  هي شهر رمضان فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين  فيكون هذا حكما ثابتا مستقرا مدة من الزمان ، ثم نزل قوله : فمن شهد منكم الشهر فليصمه  فنسخ به التخيير بين الفدية والصوم على نحو ما ذكرنا في قوله عز وجل : وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة  مؤخرا في اللفظ ، وكان ذلك يعتوره معنيان : 
أحدهما : أنه . 
وإن كان مؤخرا في التلاوة فهو مقدم في التنزيل ، والثاني : أنه معطوف عليه بالواو ، وهي لا توجب الترتيب ، فكأن الكل مذكور معا فكذلك قوله : أياما معدودات  إلى قوله شهر رمضان   [ ص: 228 ] يحتمل ما احتملته قصة البقرة . 
				
						
						
