قوله تعالى : وأقم الصلاة لذكري  قال  الحسن   ومجاهد   : " لتذكرني فيها بالتسبيح والتعظيم "  . وقيل فيه : " لأن أذكرك بالثناء والمدح " . 
وروى  الزهري  عن  سعيد بن المسيب  أن النبي صلى الله عليه وسلم نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس فصلاها بعد طلوع الشمس وقال : إن الله تعالى يقول : وأقم الصلاة لذكري   . 
وروى همام بن يحيى  عن  قتادة  عن  أنس  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك وتلا : وأقم الصلاة لذكري  وهذا يدل على أن قوله : وأقم الصلاة لذكري  قد أريد به فعل الصلاة المتروكة ، وكون ذلك مرادا بالآية  [ ص: 50 ] لا ينفي أن تكون المعاني التي تأولها عليها الآخرون مرادة أيضا ؛ إذ هي غير متنافية ، فكأنه قال : أقم الصلاة إذا ذكرت الصلاة المنسية لتذكرني فيها بالتسبيح والتعظيم لأن أذكرك بالثناء والمدح ، فيكون جميع هذه المعاني مرادة بالآية . 
وهذا الذي ورد به الأثر من إيجاب قضاء الصلاة المنسية عند الذكر  لا خلاف بين الفقهاء فيه ، وقد روي عن بعض السلف  فيه قول شاذ ليس العمل عليه ، فروى  إسرائيل  عن  جابر  عن أبي بكر بن أبي موسى  عن سعد  قال : " من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها وليصل مثلها من الغد " وروى الجريري  عن  أبي نضرة  عن  سمرة بن جندب  قال : إذا فاتت الرجل الصلاة صلاها من الغد لوقتها ، فذكرت ذلك لأبي سعيد  فقال : صلها إذا ذكرتها . وهذان القولان شاذان ، وهما مع ذلك خلاف ما ورد به الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من أمره بقضاء الفائتة عند الذكر من غير فعل صلاة أخرى غيرها . 
وتلاوة النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى : وأقم الصلاة لذكري  عقيب ذكر الفائتة وبعد قوله : من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها يوجب أن يكون مراد الآية قضاء الفائتة عند الذكر ، وذلك يقتضي الترتيب في الفوائت  ؛ لأنه إذا كان مأمورا بفعل الفائتة عند الذكر وكان ذلك في وقت صلاة فهو منهي لا محالة عن فعل صلاة الوقت في تلك الحال ، فأوجب ذلك فساد صلاة الوقت إن قدمها على الفائتة ؛ لأن النهي يقتضي الفساد حتى تقوم الدلالة على غيره . 
وقد اختلف الفقهاء في ذلك ، فقال أصحابنا : " الترتيب بين الفوائت وبين صلاة الوقت  واجب في اليوم والليلة وما دونهما إذا كان في الوقت سعة للفائتة ولصلاة الوقت ، فإن زاد على اليوم والليلة لم يجب الترتيب " والنسيان يسقط الترتيب عندهم ، أعني نسيان الصلاة الفائتة . وقال  مالك بن أنس  بوجوب الترتيب وإن نسي الفائتة ، إلا أنه يقول : " إن كانت الفوائت كثيرة بدأ بصلاة الوقت ثم صلى ما كان نسي ، وإن كانت الفوائت خمسا ثم ذكرهن قبل صلاة الصبح صلاهن قبل الصبح وإن فات وقت الصبح ، وإن صلى الصبح ثم ذكر صلوات صلى ما نسي ، فإذا فرغ أعاد الصبح ما دام في الوقت فإذا فات الوقت لم يعد " . وقال  الثوري  بوجوب الترتيب ، إلا أنه لم يرو عنه الفرق بين القليل والكثير ؛ لأنه سئل عمن صلى ركعة من العصر ثم ذكر أنه صلى الظهر على غير وضوء أنه يشفع بركعة ثم يسلم فيستقبل الظهر ثم العصر . وروي عن  الأوزاعي  روايتان في إحداهما إسقاط الترتيب وفي الأخرى إيجابه . وقال  الليث   : " إذا ذكرها وهو في صلاة وقد صلى ركعة فإن  [ ص: 51 ] كان مع إمام فليصل معه حتى إذا سلم صلى التي نسي ثم أعاد الصلاة التي صلاها معه " . وقال  الحسن بن صالح   : " إذا صلى صلوات بغير وضوء أو نام عنهن قضى الأولى فالأولى ، فإن جاء وقت صلاة تركها وصلى ما قبلها وإن فاته وقتها حتى يبلغها " . وقال  الشافعي   : " الاختيار أن يبدأ بالفائتة ، فإن لم يفعل وبدأ بصلاة الوقت أجزأه ولا فرق بين القليل والكثير " . قال  أبو بكر   : وروى  مالك  عن  نافع  عن  ابن عمر  قال : " من نسي صلاة وذكرها وهو خلف إمام فليصل مع الإمام ، فإذا فرغ صلى التي نسي ثم يصلي الأخرى "  . 
وروى  عباد بن العوام  عن همام  عن  محمد بن سيرين  عن كثير بن أفلح  قال : " أقبلنا حتى دنونا من المدينة  وقد غابت الشمس ، وكان أهل المدينة  يؤخرون المغرب ، فرجوت أن أدرك معهم الصلاة ، فأتيتهم وهم في صلاة العشاء فدخلت معهم وأنا أحسبها المغرب ، فلما صلى الإمام قمت فصليت المغرب ثم صليت العشاء ، فلما أصبحت سألت عن الذي فعلت ، فكلهم أخبروني بالذي صنعت ، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بها يومئذ متوافرين " . قال  سعيد بن المسيب   والحسن   وعطاء  بوجوب الترتيب . فهؤلاء السلف  قد روي عنهم إيجاب الترتيب ولم يرو عن أحد من نظرائهم خلاف فصار ذلك إجماعا من السلف   . 
ويدل على وجوب الترتيب في الفوائت ما روى  يحيى بن أبي كثير  عن أبي سلمة  عن  جابر  قال : جاء  عمر  يوم الخندق  فجعل يسب كفار قريش ويقول : يا رسول الله ما صليت العصر حتى كادت الشمس أن تغيب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأنا والله ما صليت بعد فنزل وتوضأ ثم صلى العصر بعدما غربت الشمس ثم صلى المغرب بعدما صلى العصر . وروي عنه صلى الله عليه وسلم : أنه فاتته أربع صلوات حتى كان هوي من الليل ، فصلى الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء . وهذا الخبر يدل من وجهين على وجوب الترتيب : 
أحدهما : قوله صلى الله عليه وسلم : صلوا كما رأيتموني أصلي فلما صلاهن على الترتيب اقتضى ذلك إيجابه . 
والوجه الآخر : أن فرض الصلاة مجمل في الكتاب ، والترتيب وصف من أوصاف الصلاة ، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم إذا ورد على وجه البيان فهو على الوجوب ، فلما قضى الفوائت على الترتيب كان فعله ذلك بيانا للفرض المجمل ، فوجب أن يكون على الوجوب . ويدل على وجوبه أيضا أنهما صلاتان فرضان قد جمعهما وقت واحد في اليوم والليلة فأشبهتا صلاتي عرفة  والمزدلفة  ، فلما لم يجز إسقاط الترتيب فيهما وجب أن يكون ذلك حكم الفوائت فيما دون اليوم والليلة  ، وقال  عمر  للنبي صلى الله عليه وسلم : إني ما صليت العصر حتى كادت الشمس أن تغيب ، فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم  [ ص: 52 ] ولم يأمره بالإعادة ، فيه الدلالة على أن من صلى العصر عند غروب الشمس  فلا إعادة عليه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					