[ ص: 455 ] قوله تعالى : وإلى ثمود   الآيات . 
أخرج  أبو الشيخ  ، عن مطلب بن زيادة  قال : سألت عبد الله بن أبي ليلى  ، عن اليهودي والنصراني ، يقال له : أخ ؟ قال : الأخ في الدار ، ألا ترى إلى قول الله : وإلى ثمود أخاهم صالحا   . 
وأخرج سنيد  ،  وابن جرير  ،  والحاكم  ، من طريق حجاج  ، عن أبي بكر بن عبد الله  ، عن  شهر بن حوشب  ، عن عمرو بن خارجة  ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  "كانت ثمود  قوم صالح  أعمرهم الله في الدنيا ، فأطال أعمارهم حتى جعل أحدهم يبني المسكن من المدر فينهدم ، والرجل منهم حي ، فلما رأوا ذلك اتخذوا من الجبال بيوتا ، فنحتوها وجابوها وخرقوها ، وكانوا في سعة من معايشهم ، فقالوا : يا صالح  ، ادع لنا ربك يخرج لنا آية نعلم أنك رسول الله ، فدعا صالح  ربه ، فأخرج لهم الناقة ، فكان شربها يوما ، وشربهم يوما معلوما ، فإذا كان يوم شربها خلوا عنها وعن الماء وحلبوها لبنا ، ملئوا كل إناء ، ووعاء ، وسقاء حتى إذا كان يوم شربهم صرفوها عن الماء فلم تشرب منه شيئا فملئوا كل إناء ووعاء وسقاء ، فأوحى الله إلى صالح   : إن قومك سيعقرون ناقتك ، فقال لهم ، فقالوا : ما كنا لنفعل ، فقال : إلا تعقروها أنتم يوشك أن يولد فيكم مولود يعقرها ، قالوا : فما علامة ذلك المولود ، فوالله لا نجده إلا قتلناه ؟ قال : فإنه غلام أشقر أزرق أصهب أحمر ، وكان في المدينة  شيخان عزيزان منيعان ، لأحدهما  [ ص: 456 ] ابن يرغب به عن المناكح ، وللآخر ابنة لا يجد لها كفئا ، فجمع بينهما مجلس ، فقال أحدهما لصاحبه ما يمنعك أن تزوج ابنك ؟ قال : لا أجد له كفئا قال : فإن ابنتي كفؤ له فأنا أزوجك ، فزوجه فولد بينهما ذلك المولود ، وكان في المدينة  ثمانية رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، فلما قال لهم صالح   : إنما يعقرها مولود فيكم ، اختاروا ثماني نسوة قوابل من القرية ، وجعلوا معهن شرطا كانوا يطوفون في القرية ، فإذا وجدوا المرأة تمخض ، نظروا ما ولدها ؛ إن كان غلاما قلبنه فنظرن ما هو ، وإن كانت جارية أعرضن عنها ، فلما وجدوا ذلك المولود صرخ النسوة وقلن : هذا الذي يريد رسول الله صالح  ، فأراد الشرط أن يأخذوه ، فحال جداه بينهم وبينه وقالا : لو أن صالحا  أراد هذا قتلناه ، فكان شر مولود ، وكان يشب في اليوم شباب غيره في الجمعة ، ويشب في الجمعة شباب غيره في الشهر ، ويشب في الشهر شباب غيره في السنة ، فاجتمع الثمانية الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، وفيهم الشيخان ، فقالوا : استعمل علينا هذا الغلام لمنزلته وشرف جديه ، فكانوا تسعة ، وكان صالح  لا ينام معهم في القرية ، كان يبيت في مسجده ، فإذا أصبح أتاهم فوعظهم وذكرهم ، وإذا أمسى خرج إلى مسجده فبات فيه " . 
قال حجاج   : وقال  ابن جريج   : لما قال لهم صالح   : إنه سيولد غلام يكون  [ ص: 457 ] هلاككم على يديه . قالوا : فكيف تأمرنا؟ قال : آمركم بقتلهم . فقتلوهم إلا واحدا قال : فلما بلغ ذلك المولود قالوا : لو كنا لم نقتل أولادنا لكان لكل رجل منا مثل هذا ، هذا عمل صالح  فائتمروا بينهم بقتله وقالوا : نخرج مسافرين والناس يروننا علانية ، ثم نرجع من ليلة كذا من شهر كذا وكذا ، فنرصده عند مصلاه فنقتله فلا يحسب الناس إلا أنا مسافرون كما نحن ، فأقبلوا حتى دخلوا تحت صخرة يرصدونه ، فأرسل الله عليهم الصخرة فرضختهم ، فأصبحوا رضخا ، فانطلق رجال ممن قد اطلع على ذلك منهم ، فإذا هم رضخ فرجعوا يصيحون في القرية : أي عباد الله ، أما رضي صالح  أن أمرهم أن يقتلوا أولادهم حتى قتلهم ، فاجتمع أهل القرية على قتل الناقة أجمعون ، وأحجموا عنها إلا ذلك ابن العاشر . 
ثم رجع الحديث إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "وأرادوا أن يمكروا بصالح  فمشوا حتى أتوا على سرب على طريق صالح  ، فاختبأ فيه ثمانية وقالوا : إذا خرج علينا قتلناه وأتينا أهله فبيتناهم ، فأمر الله الأرض فاستوت  [ ص: 458 ] عليهم فاجتمعوا ومشوا إلى الناقة ، وهي على حوضها قائمة ، فقال الشقي لأحدهم : ائتها فاعقرها ، فأتاها فتعاظمه ذلك ، فأضرب عن ذلك ، فبعث آخر ، فأعظمه ذلك ، فجعل لا يبعث رجلا إلا تعاظمه أمرها حتى مشى إليها ، وتطاول فضرب عرقوبيها فوقعت تركض ، وأتى رجل منهم صالحا  فقال : أدرك الناقة فقد عقرت ، فأقبل ، وخرجوا يتلقونه ويعتذرون إليه : يا نبي الله ، إنما عقرها فلان ، إنه لا ذنب لنا ، قال : فانظروا هل تدركون فصيلها؟ فإن أدركتموه فعسى الله أن يرفع عنكم العذاب ، فخرجوا يطلبونه ، فلما رأى الفصيل أمه تضطرب أتى جبلا -يقال له القارة   - قصيرا ، فصعد ، وذهبوا ليأخذوه فأوحى الله إلى الجبل ، فطال في السماء حتى ما تناله الطير ، ودخل صالح  القرية ، فلما رآه الفصيل بكى حتى سالت دموعه ، ثم استقبل صالحا  ، فرغا رغوة ، ثم رغا أخرى ، ثم رغا أخرى ، فقال صالح  لقومه : لكل رغوة أجل يوم فتمتعوا في داركم ثلاثة أيام ، ذلك وعد غير مكذوب   [هود : 65 ] ألا إن آية العذاب أن اليوم الأول تصبح وجوهكم مصفرة ، واليوم الثاني محمرة ، واليوم الثالث مسودة ، فلما أصبحوا إذا وجوههم كأنها قد طليت بالخلوق ؛  [ ص: 459 ] صغيرهم وكبيرهم ، ذكرهم وأنثاهم ، فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم : ألا قد مضى يوم من الأجل وحضركم العذاب ، فلما أصبحوا اليوم الثاني إذا وجوههم محمرة كأنها خضبت بالدماء ، فصاحوا وضجوا وبكوا وعرفوا أنه العذاب ، فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم : ألا قد مضى يومان من الأجل وحضركم العذاب ، فلما أصبحوا اليوم الثالث فإذا وجوههم مسودة كأنها طليت بالقار ، فصاحوا جميعا : ألا قد حضركم العذاب ، فتكفنوا وتحنطوا ، وكان حنوطهم الصبر والمغر ، وكانت أكفانهم الأنطاع ، ثم ألقوا أنفسهم بالأرض ، فجعلوا يقلبون أبصارهم فينظرون إلى السماء مرة ، وإلى الأرض مرة ، فلا يدرون من أين يأتيهم العذاب ؛ من فوقهم من السماء ، أم من تحت أرجلهم من الأرض ، خسفا أو قذفا ، فلما أصبحوا اليوم الرابع أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة ، وصوت كل شيء له صوت في الأرض ، فتقطعت قلوبهم في صدورهم فأصبحوا في ديارهم جاثمين" . 
وأخرج  عبد الرزاق  ،  والفريابي  ،  وابن أبي شيبة  ،  وعبد بن حميد  ،  وابن جرير  ،  وابن المنذر  ،  وابن أبي حاتم  ، عن  أبي الطفيل  قال : قال ثمود  لصالح   : ائتنا بآية إن كنت من الصادقين ، قال : اخرجوا ، فخرجوا إلى هضبة من الأرض ،  [ ص: 460 ] فإذا هي تمخض كما تمخض الحامل ، ثم إنها انفرجت ، فخرجت الناقة من وسطها ، فقال لهم صالح  هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم  ، فلما ملوها عقروها ، فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام   [هود : 65] . 
وأخرج  عبد الرزاق  ،  وابن المنذر  ،  وابن أبي حاتم  ،  وأبو الشيخ  ، عن  قتادة  ، أن صالحا  قال لهم حين عقروا الناقة : تمتعوا ثلاثة أيام ، ثم قال لهم : آية هلاككم أن تصبح وجوهكم غدا مصفرة ، وتصبح اليوم الثاني محمرة ثم تصبح الثالث مسودة ، فأصبحت كذلك ، فلما كان اليوم الثالث [169و] أيقنوا بالهلاك ، فتكفنوا وتحنطوا ، ثم أخذتهم الصيحة فأهمدتهم ، وقال عاقر الناقة : لا أقتلها حتى ترضوا أجمعين ، فجعلوا يدخلون على المرأة في خدرها فيقولون : أترضين ؟ فتقول : نعم ، والصبي ، حتى رضوا أجمعين فعقروها . 
3 وأخرج  أحمد  ،  والبزار  ،  وابن جرير  ،  وابن المنذر  ،  وابن أبي حاتم  ،  والطبراني  في "الأوسط"،  وأبو الشيخ  ،  والحاكم  وصححه ،  وابن مردويه  ، عن  [ ص: 461 ]  جابر بن عبد الله  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل الحجر  قام فخطب الناس ، فقال : "يا أيها الناس ، لا تسألوا نبيكم عن الآيات ، فإن قوم صالح  سألوا نبيهم أن يبعث إليهم آية ، فبعث الله إليهم الناقة ، فكانت ترد من هذا الفج ، فتشرب ماءهم يوم وردها ، ويحتلبون من لبنها مثل الذي كانوا يأخذون من مائها يوم غبها ، وتصدر من هذا الفج ، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها ، فوعدهم الله العذاب بعد ثلاثة أيام ، وكان وعدا من الله غير مكذوب ، ثم جاءتهم الصيحة فأهلك الله من كان منهم تحت مشارق الأرض ومغاربها إلا رجلا كان في حرم الله ، فمنعه حرم الله من عذاب الله "، فقيل : يا رسول الله ، من هو ؟ قال : أبو رغال  ، فلما خرج من الحرم  أصابه ما أصاب قومه" . 
وأخرج  ابن جرير  ،  وأبو الشيخ  ،  وابن مردويه  من حديث  أبي الطفيل  مرفوعا ، مثله . 
وأخرج  أحمد  ،  وابن المنذر  ، عن أبي كبشة الأنماري  قال : لما كان في غزوة تبوك  تسارع قوم إلى أهل الحجر  يدخلون عليهم ، فنودي في الناس : إن الصلاة جامعة ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : "علام تدخلون على قوم  [ ص: 462 ] غضب الله عليهم ؟ " ، فقال رجل : نعجب منهم يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أنبئكم بأعجب من ذلك ؛ رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم ، وبما هو كائن بعدكم استقيموا وسددوا ، فإن الله لا يعبأ بعذابكم شيئا ، وسيأتي الله بقوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئا" . 
وأخرج  ابن أبي حاتم  ، عن  قتادة  ، أن ثمود  لما عقروا الناقة تغامزوا ، وقالوا : عليكم الفصيل ، فصعد الفصيل القارة –جبلا- حتى إذا كان يوما استقبل القبلة وقال : يا رب ، أمي ، يا رب ، أمي ، يا رب ، أمي . فأرسلت عليهم الصيحة عند ذلك . 
وأخرج  ابن أبي حاتم  ، عن  عبد الله بن أبي الهذيل  قال : لما عقرت الناقة صعد بكرها فوق جبل فرغا ، فما سمعه شيء إلا همد . 
وأخرج  ابن أبي حاتم  ، عن  عطاء  قال : لما قتل قوم صالح الناقة قال لهم صالح   : إن العذاب آتيكم ، قالوا له : وما علامة ذلك ؟ قال : أن تصبح وجوهكم أول يوم محمرة ، وفي اليوم الثاني مصفرة ، وفي اليوم الثالث مسودة ، فلما أصبحوا أول يوم احمرت وجوههم ، فلما كان اليوم الثاني اصفرت وجوههم ، فلما  [ ص: 463 ] كان اليوم الثالث أصبحت وجوههم مسودة ، فأيقنوا بالعذاب ، فتحنطوا وتكفنوا وأقاموا في بيوتهم ، فصاح بهم جبريل  صيحة فذهبت أرواحهم . 
وأخرج  أبو الشيخ  ، عن  السدي  قال : إن الله بعث صالحا  إلى ثمود  فدعاهم ، فكذبوه ، فسألوا أن يأتيهم بآية ، فجاءهم بالناقة لها شرب ، ولهم شرب يوم معلوم ، فأقروا بها جميعا ، فكانت الناقة لها شرب ، فيوم تشرب فيه الماء تمر بين جبلين فيزحمانه ، ففيهما أثرها حتى الساعة ، ثم تأتي فتقف لهم حتى يحتلبوا اللبن فترويهم ، ويوم يشربون الماء لا تأتيهم ، وكان معها فصيل لها ، فقال لهم صالح   : إنه يولد في شهركم هذا مولود يكون هلاككم على يديه ، فولد لتسعة منهم في ذلك الشهر ، فذبحوا أبناءهم ، ثم ولد للعاشر ، فأبى أن يذبح ابنه ، وكان لم يولد له قبله شيء ، وكان أبو العاشر أزرق أحمر ، فنبت نباتا سريعا ، ، فإذا مر بالتسعة فرأوه قالوا : لو كان أبناؤنا أحياء كانوا مثل هذا : فغضب التسعة على صالح   . 
وأخرج  ابن المنذر  ، عن  ابن جريج  في قوله : ولا تمسوها بسوء  قال : لا تعقروها . 
وأخرج  ابن أبي حاتم  ، عن  السدي  في قوله : وتنحتون الجبال بيوتا    .  [ ص: 464 ] قال : كانوا ينقبون في الجبال البيوت . 
وأخرج  ابن أبي شيبة  ،  وعبد بن حميد  ،  وابن جرير  ،  وابن المنذر  ،  وابن أبي حاتم  ،  وأبو الشيخ  ، عن  مجاهد  في قوله : وعتوا عن أمر ربهم   قال : غلوا في الباطل ، وفي قوله : فأخذتهم الرجفة   ، قال : الصيحة . 
وأخرج  ابن أبي حاتم  ، عن أبي مالك  في قوله : فأصبحوا في دارهم  يعني العسكر كله . 
وأخرج  ابن جرير  ،  وابن أبي حاتم  ،  وأبو الشيخ  ، عن  ابن زيد  في قوله : فأصبحوا في دارهم جاثمين  قال : ميتين . 
وأخرج  عبد بن حميد  ، عن  قتادة   : فأصبحوا في دارهم جاثمين  قال : ميتين . 
وأخرج  عبد الرزاق  ،  وأبو الشيخ  ، عن  الحسن  قال : لما عقرت ثمود  الناقة ذهب فصيلها حتى صعد تلا فقال : يا رب ، أين أمي؟ ثم رغا رغوة ، فنزلت الصيحة فأخذتهم . 
 [ ص: 465 ] وأخرج  أحمد  في "الزهد" ، عن عمار  قال : إن قوم صالح  سألوا الناقة فأتوها فعقروها ، وإن بني إسرائيل سألوا المائدة فنزلت فكفروا بها ، وإن فتنتكم في الدينار والدرهم . 
وأخرج  أبو الشيخ  ، عن  وهب  قال : إن صالحا  لما نجا هو والذين معه قال : يا قوم ، إن هذه دار قد سخط الله عليها وعلى أهلها فاظعنوا والحقوا بحرم الله وأمنه ، فأهلوا من ساعتهم بالحج ، وانطلقوا حتى وردوا مكة ، فلم يزالوا حتى ماتوا ، فتلك قبورهم في غربي الكعبة   . 
				
						
						
