قوله تعالى: وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب فيه أربعة تأويلات: أحدها: الحرام بالحلال ، وهو قول مجاهد. والثاني: هو أن يجعل الزائف بدل الجيد ، والمهزول بدل السمين ويقول: درهم بدرهم ، وشاة بشاة ، وهو قول ابن المسيب والزهري والضحاك والسدي . والثالث: هو استعجال أكل الحرام قبل إتيان الحلال ، وهو معنى قول مجاهد. والرابع: أن أهل الجاهلية كانوا لا يورثون الصغار والنساء ويأخذه الرجل [ ص: 448 ]
الأكبر ، فكان يستبدل الخبيث بالطيب لأن نصيبه من الميراث طيب ، وأخذه الكل خبيث ، وهو قول ابن زيد. ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم أي مع أموالكم ، وهو أن يخلطوها بأموالهم لتصير في ذمتهم فيأكلوا ربحها. إنه كان حوبا كبيرا والحوب: الإثم ، ومنه قولهم: تحوب فلان من كذا ، إذا توقى ، قال الشاعر:
فإن مهاجرين تكنفاه غداة إذ لقد خطئا وحابا
قال الحسن البصري: لما نزلت هذه الآية في أموال اليتامى كرهوا أن يخالطوهم وجعل ولي اليتيم يعزل ماله عن ماله فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى: ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم [البقرة: 220] أي فخالطوهم واتقوا إثمه. وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء فيه أربعة تأويلات: أحدها: يعني إن خفتم ألا تعدلوا في نكاح اليتامى ، فانكحوا ما حل لكم من غيرهن من النساء ، وهو قول عائشة رضي الله عنها. والثاني: أنهم كانوا يخافون ألا يعدلوا في أموال اليتامى ، ولا يخافون أن لا يعدلوا في النساء ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، يريد كما خفتم ألا تعدلوا في أموال اليتامى ، فهكذا خافوا ألا تعدلوا في النساء ، وهذا قول سعيد بن جبير ، والسدي ، وقتادة . والثالث: أنهم كانوا يتوقون أموال اليتامى ولا يتوقون الزنى ، فقال: كما خفتم في أموال اليتامى ، فخافوا الزنى ، وانحكوا ما طاب لكم من النساء ، وهذا قول مجاهد. والرابع: إن سبب نزولها ، أن قريشا في الجاهلية كانت تكثر التزويج بغير عدد محصور ، فإذا كثر على الواحد منهم مؤن زوجاته ، وقل ماله ، مد يده إلى ما [ ص: 449 ]
عنده من أموال الأيتام ، فأنزل الله تعالى: وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء وفي قوله تعالى: ما طاب لكم من النساء قولان: أحدهما: أن ذلك عائد إلى النساء وتقديره: فانحكوا من النساء ما حل. وهذا قول الفراء. والثاني: أن ذلك عائد إلى النكاح وتقديره: فانحكوا النساء نكاحا طيبا. وهذا قول مجاهد. مثنى وثلاث ورباع تقديرا لعددهن وحصرا لمن أبيح نكاحه منهن وهذا قول عكرمة. مثنى وثلاث ورباع معدول به عن اثنين وثلاث وأربع ، وكذلك أحاد وموحد ، وثناء ومثنى ، وثلاث ومثلث ، ورباع ومربع ، وهو اسم للعدد معرفة ، وقد جاء الشعر بمثل ذلك ، قال تميم بن أبي مقبل:
ترى العثرات الزرق تحت لبانه أحاد ومثنى أضعفتها كواهله
وقال آخر:
قتلنا به من بين مثنى وموحد بأربعة منكم وآخر خامس
قال أبو عبيدة: ولم يسمع من العرب صرف ما جاوز الرباع والمربع عن [ ص: 450 ]
جهته إلا في بيت للكميت ، فإنه قال في العشرة عشار وهو قوله
فلم يستريثوك حتى رمد ت فوق الرجال خصالا عشارا
وقال أبو حاتم: بل قد جاء في كلامهم من الواحد إلى العشرة ، وأنشد قول الشاعر:
ضربت خماس ضربة عبشمي أدار سداس ألا يستقيما
فإن خفتم ألا تعدلوا يعني في الأربع ، ( فواحدة ) يعني من النساء. أو ما ملكت أيمانكم يعني في الإماء. ذلك أدنى ألا تعولوا فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: ألا يكثر من تعولون ، وهو قول الشافعي . والثاني: معناه ألا تضلوا ، وهو قول ابن إسحاق ، ورواه عن مجاهد. والثالث: ألا تميلوا عن الحق وتجوروا وهو قول ابن عباس ، وقتادة ، وعكرمة . وأصل العول الخروج عن الحد ومنه عول الفرائض لخروجها عن حد السهام المسماة ، وأنشد عكرمة بيتا لأبي طالب:
بميزان قسط لا يخيس شعيرة ووازن صدق وزنه غير عائل
أي غير مائل. وكتب عثمان بن عفان إلى أهل الكوفة في شيء عاتبوه فيه: إني لست بميزان قسط لا أعول. [ ص: 451 ]
قوله تعالى: وآتوا النساء صدقاتهن اختلف فيمن توجه إليه هذا الخطاب على قولين: أحدهما: أنه متوجه إلى الأزواج ، وهو قول الأكثرين. والثاني: أنه متوجه إلى الأولياء ، لأنهم كانوا يتملكون في الجاهلية صداق المرأة ، فأمر الله بدفع صدقاتهن إليهن ، وهو قول أبي صالح. وأما النحلة فهي العطية من غير بدل ، وسمي الدين نحلة ، لأنه عطية من الله ، وفي تسميه النحل بذلك قولان: أحدهما: أنه سمي نحلا لما يعطي من العسل. والثاني: لأن الله تعالى نحله عباده. وفي المراد بالنحلة في الصداق أربعة تأويلات: أحدها: يعني فريضة مسماة ، وهو قول قتادة ، وابن جريج . والثاني: أنه نحلة من الله عز وجل لهن بعد أن كان ملكا للأولياء ، وهو قول أبي صالح. والثالث: أنه نهي لما كانوا عليه من خطبة الشغار ، والنكاح بغير صداق ، وهو قول سليمان بن جعفر بن أبي المعتمر. والرابع: أنه أراد أن يطيبوا نفسا بدفعه ، كما يطيبون نفسا بالنحل والهبة ، وهو قول بعض المتأخرين. فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا يعني الزوجات إن طبن نفسا عن شيء من صداقهن لأزواجهن في قول من جعله خطابا للأزواج ، ولأوليائهن في قول من جعله خطابا للأولياء. فكلوه هنيئا مريئا الهنيء ما أعقب نفعا وشفاء ، ومنه هنأ البعير للشفاء ، قال الشاعر:
متبدلا تبدو محاسنه يضع الهناء مواضع النقب


