ولما برزوا   أي: ظهر طالوت  ومن معه، وصاروا في براز من الأرض؛ وهو ما انكشف منها واستوى لجالوت وجنوده  أي: لمحاربتهم وقتالهم قالوا  جميعا بعد أن قويت قلوب الضعفاء، متضرعين إلى الله تعالى متبرئين من الحول والقوة 
ربنا أفرغ علينا صبرا  أي: صب ذلك علينا، ووفقنا له، والمراد به: حبس النفس للقتال وثبت أقدامنا  أي: هب لنا كمال القوة والرسوخ عند المقارعة؛ بحيث لا تتزلزل، وليس المراد بتثبيت الأقدام مجرد تقررها في حيز واحد، إذ ليس في ذلك كثير جدوى وانصرنا على القوم الكافرين  أي: أعنا عليهم بقهرهم وهزمهم، ووضع ( الكافرين ) موضع الضمير العائد إلى جالوت  وجنوده؛ للإشعار بعلة النصر عليهم، وفي هذا الدعاء من اللطافة وحسن الأسلوب والنكات ما لا يخفى؛ أما أولا: فلأن فيه التوسل بوصف الربوبية المنبئة عن التبليغ إلى الكمال، وأما ثانيا: فلأن فيه الإفراغ، وهو يؤذن بالكثرة، وفيه جعل الصبر بمنزلة الماء المنصب عليهم؛ لثلج صدورهم، وإغنائهم عن الماء الذي منعوا عنه، وأما ثالثا: فلأن فيه التعبير بعلى المشعر بجعل ذلك كالظرف، وجعلهم كالمظروفين، وأما رابعا: فلأن فيه تنكير ( صبرا ) المفصح عن التفخيم، وأما خامسا: فلأن في الطلب الثاني وهو تثبيت الأقدام ما يرشح جعل الصبر بمنزلة الماء في الطلب الأول؛ إذ مصاب الماء مزالق، فيحتاج فيها إلى التثبيت، وأما سادسا: فلأن فيه حسن الترتيب؛ حيث طلبوا أولا: إفراغ الصبر على قلوبهم عند اللقاء، وثانيا: ثبات القدم والقوة على مقاومة العدو، حيث إن الصبر قد يحصل لمن لا مقاومة له، وثالثا: العمدة والمقصود من المحاربة وهو النصرة على الخصم، حيث إن الشجاعة بدون النصرة طريق عتبته عن النفع خارجة، وقيل: إنما طلبوا أولا: إفراغ الصبر؛ لأنه ملاك الأمر، وثانيا: التثبيت؛ لأنه متفرع عليه، وثالثا: النصر؛ لأنه الغاية القصوى، واعترض  [ ص: 173 ] هذا بأنه يقتضي حينئذ التعبير بالفاء؛ لأنها التي تفيد الترتيب، وأجيب بأن الواو أبلغ؛ لأنه عول في الترتيب على الذهن، الذي هو أعدل شاهد، كما ذكر السكاكي   . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					