2207 - مسألة : حد الحر والحرة غير المحصنين  ؟ قال  أبو محمد  رحمه الله : قال الله تعالى { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين    } ؟ قال  أبو محمد  رحمه الله : فجاء النص كما ترى ، ولم يختلف أحد من أهل القبلة في أن الجلد حكم الزاني الحر غير المحصن ، والزانية الحرة غير المحصنة  ، وإنما اختلف الناس في هل عليهما نفي كما ذكرنا أم لا ؟ وهذا باب قد تقصيناه في أبواب مجموعة صدرنا بها قبل كلامنا في المرتدين ذكرنا فيها كل حكم يختص به حدان من الحدود فصاعدا وتقصينا هنالك الآثار بأسانيدها ، ونذكر هاهنا إن شاء الله تعالى جملة مختصرة من ذلك . 
وبالله تعالى التوفيق . 
فنقول : إنه قد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم   } . 
وصح عنه - عليه السلام - من طريق الزهري  عن  عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود    { عن زيد بن خالد    : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر فيمن زنى ولم يحصن بجلد مائة وتغريب عام   } . 
وعن الزهري  عن  سعيد بن المسيب  عن  أبي هريرة  ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن زنى ولم يحصن بأن ينفى عاما مع إقامة الحد عليه   } . 
وصح { أنه عليه السلام قال للذي زنى ابنه بامرأة مستأجرة : على ابنك جلد مائة وتغريب عام ، وعلى امرأة هذا الرجم   } . 
وصح أن  عمر بن الخطاب  جلد امرأة زنت مائة جلدة وغربها عاما " . 
 [ ص: 172 ] وروي أيضا مثل ذلك عن  علي بن أبي طالب  وغيره من الصحابة - رضي الله عنهم - ولم يرو عن أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - خلاف ذلك إلا رواية عن علي    : ليس على أم الولد نفي - وإنما قال في البكرين يزنيان : حسبهما من الفتنة أن ينفيا . 
وعن  ابن عباس    : من زنى جلد وأرسل ؟ قال  أبو محمد  رحمه الله : فليس قول  ابن عباس    " من زنى جلد وأرسل " دليلا على أنه لا يوجب النفي عنده ، بل قد يكون قوله " وأرسل " يريد به أن يرسل إلى بلد آخر . 
وكذلك قول  علي    " حسبهما من الفتنة أن ينفيا " يخرج على إيجاب النفي ، وأن ذلك حسبهما من البلاء . 
قال الله تعالى { الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون    } إلى قوله تعالى { وليعلمن الكاذبين    } والرواية عنه في أن أم الولد لا تنفى إذا زنت لا تصح على ما ذكرنا قبل ؟ قال  أبو محمد  رحمه الله : وكلا القولين دعوى بلا برهان . 
ومن عجائب الدنيا أن يجعلوا الأربعين التي زادها  عمر بن الخطاب    - رضي الله عنه - في حد الخمر على سبيل التعزير حدا واجبا مفترضا ، وهو رضي الله عنه يجلد مرة أربعين ، ومرة ستين ، ومرة ثمانين . 
وكذلك عثمان  بعده ،  وعلي  ، وغيرهما من الصحابة - رضي الله عنهم - ثم يأتون إلى حد افترضه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فيجعلونه تعزيرا ، كل ذلك جرأة على الدعوى بلا برهان ، وادعوا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال { إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها   } ولم يقل " فلينفها " دليلا على نسخ التغريب ؟ قال  أبو محمد  رحمه الله : وهذا من الباطل المحض ، لأن هذا خبر مجمل أحال  [ ص: 173 ] فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على غيره ، فلم يذكر نفيا ، ولا عدد الجلد ، فإن كان دليلا على إسقاط التغريب فهو أيضا دليل على إسقاط عدد ما يجلد ، وإن لم يكن دليلا على إسقاط عدد ما يجلد ، لأنه لم يذكر فيه ، فليس أيضا دليلا على نسخ النفي وإن لم يذكر فيه ، والأخبار يضم بعضها إلى بعض ، وأحكام الله تعالى وأحكام رسوله - عليه السلام - كلها حق ولا يحل ترك بعضها لبعض ، بل الواجب ضم بعضها إلى بعض واستعمال جميعها ؟ قال  أبو محمد  رحمه الله : وأما إسقاط  مالك  النفي عن العبيد ، والإماء ، والنساء ، وإثباته إياه على الحر ، فتفريق لا دليل على صحته ، لأن قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمره قد ورد عموما بالنفي على كل من زنى ولم يحصن ، ولم يخص الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم امرأة من رجل ، ولا عبدا من حر { وما كان ربك نسيا    } . 
وقد قال الله تعالى في الإماء { فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب    } . 
فصح أن عليهن من النفي نصف ما ينفي المحصن ، وكذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن يقام الحد على المكاتب بنسبة ما أدى من حد الحر ، وبنسبة ما لم يؤد من حد العبد . فبطل كل ما خالف حكم الله تعالى وحكم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وبالله تعالى التوفيق . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					