[ ص: 195 ] مسائل من هذا الباب - مسألة : قال  أبو محمد    : من أغضب أحمق بما يغضب منه فقذف بالحجارة فقتل المغضب له أو غيره ، أو أعطى أحمق سيفا فقتل به قوما  ، فلا شيء في كل ذلك ، لأنه لم يباشر شيئا من الجناية ، ولا يسمى في اللغة قاتلا . 
فلو أنه أمر الأحمق بقتل إنسان بعينه فقتله ، فإن كان الأحمق فعل ذلك طاعة له ، وكان ذلك معروفا فهو آمر ، فالآمر عليه القود ، وإن كان لم يفعل طائعا له فلا شيء في ذلك ، لأنه لم يكن ، لا عن أمره ولا عن فعله . 
فلو رمى حجرا فأصاب ذلك الحجر حجرا فقلعه ، فتدهده ذلك الحجر فقتل وأفسد    : فلا شيء في ذلك ، لأنه إنما تولد عن رميه انقلاع الحجر فقط ، فهو ضامن لرده إن كان موضوعا لمعنى ما فقط ، وإنما يضمن المرء ما تولد عن فعله ، ولا يضمن ما تولد عما تولد عن فعله . 
ولا يختلف اثنان من الأمة في أن من رمى سهما يريد صيدا فأصاب إنسانا أو مالا فأتلفه  فإنه يضمن ، ولو أنه صادف حمار وحش يجري فقتل إنسانا أو سقط الحمار - إذ أصابه السهم فقتل إنسانا  فإنه لا يضمن شيئا . 
ولو أن إنسانا يعمل في بئر وآخر يستقي فانقطع الحبل فوقعت الدلو فقتلت الذي في البئر  ، فإن كان ذلك لضعف الحبل فهو قاتل خطأ والدية على العاقلة ، وعليه الكفارة ، لأنه مباشر لقتله ، فلو غلب فلم يقدر على إمساكه الدلو ففتح يديه فلا شيء عليه في ذلك ، لأنه لم يباشر قتله ولا عمل شيئا . 
حدثنا عبد الله بن ربيع  نا  ابن مفرج  نا  قاسم بن أصبغ  نا  ابن وضاح  نا سحنون  نا  ابن وهب   [ ص: 196 ] أخبرني  ابن لهيعة  عن عبد الله بن هبيرة السبائي  أن رجلا رمى حدأة فخرت الحدأة على صبي فقتلته  ؟ قال : هو على الذي رمى ، وكل شيء يكون من فعل رجل فهو عليه - قال : وبلغني عن  يحيى بن سعيد  أنه قال في رجل مر برجل وهو يحمل على ظهره حجرا فسقط منه فأصاب رجلا فقتله ؟ فعليه دية المقتول - قال سحنون    : هذه مسألة سوء ؟ قال  ابن وهب    : وسمعت  مالكا  يقول في الرجل يمسك الحبل للرجل يتعلق به في البئر ؟ قال : إن انقطع الحبل فلا شيء عليه ، وإن انفلت من يد الممسك فسقط المتعلق فمات فهو ضامن له . 
قال  علي    : لسنا نقول بشيء من هذا كله : أما الحدأة تقع ، فإن الرامي بها لم يباشر إلقاءها كما ذكرنا . 
وأما الذي سقط الحجر عن ظهره دون أن يكون هو ألقاه لكن ضعف أو عثر فلا شيء في ذلك - ولو أنه هو تعمد إلقاءه فمات به إنسان ، فإن كان عمدا - وهو يدري - فقاتل عمد ، وعليه القود ، وإن كان لم يعرف أن هنالك إنسانا فهو قاتل خطأ وعليه الكفارة ، وعلى عاقلته الدية ، لأنه مباشر قتله بلا شك . 
وأما تعلق الرجل بحبل يمسك عليه آخر فلا شيء في ذلك ، لا في انقطاع الحبل ، ولا في ضعف الممسك عن إمساكه ، لأنه في انقطاع الحبل جان على نفسه بجبذ الحبل ، فإنما انقطع من فعله لا من فعل الواقف على البئر فأما انفلات الحبل فلم يتول الواقف على رأس البئر إبقاءه ، لكن غلب عليه فلم يباشر فيه شيئا أصلا : روينا من طريق  ابن وضاح  نا سحنون  نا  ابن وهب  أخبرني يزيد بن عياض  ،  وابن لهيعة  عن  ابن أبي جعفر  عن  بكير بن الأشج  أن  عبد الله بن عمرو  وقال يزيد بن عياض    : عن عبد الملك بن عبيد  عن  مجاهد  عن  ابن عباس  ، ثم اتفقا : أن من سل سيفا على امرأة ، أو صبي ، ليفزعهما به ، فماتا منه ففيه دية الخطأ . 
قال  علي    : وهذا باطل لا يصح -  وابن لهيعة  في غاية الضعف ، ويزيد بن عياض  مذكور بالكذب - وهذا العمل لا يختلفون في أن من فعله غير قاصد إلى  [ ص: 197 ] إفزاعهما ففزعا فماتا فلا شيء عليه - ولا خلاف في أن النية ، والمعرفة لا يراعى شيء منهما في الخطأ ، بل هما مطرحان فيه ، ولا خلاف في أن القاتل إذا قصد به ونوى فإنه عمد . 
والذي سل سيفا على امرأة أو صبي يريد بذلك إفزاعهما فماتا  ، فبيقين يدري كل ذي عقل سليم أنه عامد قاصد إليهما بهذا الفعل ، فإذ لا خلاف في أنه ليس عليه قود ، ولا له حكم العمد الذي هو أقرب الصفات إلى فعله فمن المحال الممتنع أن يكون عليه حكم الخطأ الذي ليس لفعله فيه مدخل أصلا - وهذا في غاية البيان - وبالله تعالى التوفيق - وليس فيه إلا الأدب فقط . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					